الأمراض التي تصيب البنكرياس
بناء البنكرياس ووظائفه
البنكرياس عضو مهم لأداء الجسم بالرغم من صغر حجمه.
كنا في الماضي نسميه (يتيم الجهاز الهضمي) ،
لأنه صغير ولأنه بعيد عن متناول اليد، فكنا كثيراً ما ننساه ونغفل عن ذكره. إلا أن الوسائل الحديثة للكشف عنه وتشخيص أمراضه ، وكذالك المعرفة الجديدة بوظائفه ودوره الهام، كل هذا دفع به إلي المقدمة وأصبح عضواً كاملاً وأساسياً في أسرة الجهاز الهضمي.
البنكرياس جسم غُده أصفر اللون يمتد افقياً عبر منتصف الجذع ويكمن وراء المعدة.
طوله نحو 15 سم وعرضه 4 سم.
ويتكون من رأس وجسم وذيل, رأسه يقبع في حنية الإثنا عشري ويملؤها وذيله يلامس الطحال.
وهو في الحقيقة غُده مزدوجة في جزء منها داخلية الإفراز (غُده صماء) تسيطر على أيض الكربوهيدرات وتنظم نسبة السكر في الدم، وفي جزئها الآخر خارجية الإفراز تفرز عصائر الهضم التي تتعامل مع مكونات الغذاء من كربوهيدرات وبروتينات ودهنيات
أما الجزء الأصم، ولا يشكل أكثر من %1 من كتلة البنكرياس، فيتكون من خلايا منتثرة في جُرم البنكرياس اسمها (جُزَيْرات لانجرهانز) ،
وهي على ثلاثة أنواع : خلايا ( أ ) التي تنتج الجلوكاجون، وخلايا ( ب ) التي تنتج الإنسولين، وخلايا ( د ) التي تنتج الجاسترين والسوماتوستاتين، وكلها هرمونات لها دورها في الأيض والنمو
وأما الجزء الخارجي :
الإفراز : وهو الذي يعنينا أكثر في نطاق الجهاز الهضمي فيتكون من خلايا سنخية متجمعة في فصيصيات، ينسكب إفرازها في شبكة القنوات حيث تتجمع هذه الإفرازات في قناة رئيسية تسلك طريقها إلى تجويف الإثنا عشري حيث تصب في حلمته، بالاشتراك مع القناة الصفراوية المشتركه التي تحكمها عضله (اودئ) العاصرة . وكذالك افراز البنكرياس قلوي التفاعل ويعود هذا السبب لوجود نسبة مرتفعة من البيكربونات فيه.
أما انزيماته الثلاثة الرئيسية هي :
الأميلاز لهضم النشويات، الليباز لهضم الدهنيات، والتربسين لهضم البروتين. ويتحكم في إفراز البنكرياس مصدران اساسيان هما :
1- الجهاز العصبي المستقل
2- الهرمونات, وأهمها : (سكريتين) (كوليستوكينين)
يعتمد تشخيص أمراض البنكرياس على الوسائل الحديثه للتصوير وأهمها :
الفحص بلموجات الفوق الصوتية بأشعة الكمبيوتر المقطعية ، ومنضار المعدة الضوئي له دور حاسم في تلوين قناة البنكرياس والكشف عن الكثير من أمراضه. أما التحليل الكيميائي فيبين مدى نشاط البنكرياس بقياس نسبة الأنزيمات في عصير الإثنا عشري أو في الدم وكذالك لابد أن نذكر هناك التحاليل التقليدية لنسبة السكر في الدم ومدى اعتمادها على الأنسولين في مرضى البنكرياس.
التهاب البنكرياس
أ- التهاب البنكرياس الحاد :
إن من أهم أسباب التهاب البنكرياس الحاد هي الكحول والحصيات المرارية. أما الأسباب النادرة فمنها الحمى النكفية ، وضيق حلمة الإثنا عشري، والتدخل الجراحي في الجهاز المراري أو تلوين القنوات بالمنظار.
في هذا الالتهاب تنطلق إنزيمات الهضم من أسار البنكرياس وكأنه يهضم نفسه بنفسه فتتنكرز الخلايا وتنتشر إلى تجويف البريتون فتلهبهُ. وقد يتبع ذلك النزف والاستسقاء أو يتجمع الإفراز فيهما ويسمى بالكيس الكاذب وهذا قد يتلوث بالبكتريا فيتقيح ويتحول إلى خراج.
أهم أعراض هذا الالتهاب وعلاماته :
الم مفاجئ وعنيف ، يحدث عاده في فم المعده وقد يخترق الجسم ويحدث في الظهر او يتنشر في البطن كله ويصاحب ذالك الغثيان والقيئ واعراض الصدمه كسرعه النبض وانخفاض ضغط الدم .
هذه الحالات تتشابه مع امراض البطن الحاده الاخرى ، كألتهاب المراره والتهاب الزائده الدوديه وانثقاب القرحه الهضميه ، واحتشاء عضله القلب . حيث ان تشخيص هذه الحالات يعتمد على قياس نسبه الاميلاز في الدم ، وعلى التصوير بلموجات فوق الصوتيه وكذالك على اشعه الكمبيوتر المقطعية . واحياناً لا نجد وسيله لتشخيصه الا عند فتح البطن واكتشافة .
والعلاج الناجز ، هو تسكين الألم وتخليص المريض من الصدمه وذلك بتعويض سوائل الجسم المفقودة وشفط المعدة وتغذية المريض عن غير طريق الفم .
أما الجراحة فنلجأ أليها أذا حدثت مضاعفات مثل الكيس الكاذب أو الخراج أو التهاب المراره المصاحب لالتهاب البنكرياس .
ب-التهاب البنكرياس المزمن :
قد يعقب الالتهاب الحاد ولكنه في أكثر حالاته ينشأ مخاتلاً أي بطيئاً ومستمراً، تتخلله نوبات من الالتهاب الحاد.
أسبابه هي : الخمر والحصيات المرارية ، وفي بلاد المناطق الحارة يبرز سوء تغدية كسبب مهم لالتهاب البنكرياس المزمن.
وفي هذا المرض تنسد قنوات البنكرياس ويتليف وقد تتسرب فيه أملاح الكالسيوم وتكون حصيات.
أهم أعراضه هي: ألم البطن وهو يحس في فم المعده أو في المَراق الأيمن أو الأيسر، وينتشر عادة إلى وسط الظهر ويخفف من شدته أن ينحني المريض جاثياً.
أهم مضاعفاته هي: الإسهال الدهني (من ضياع الليباز اللازم لهضم الدهنيات) والبوال السكري (من ضياع الإنسولين اللازم لأيض السكريات) ونقص وزن الجسم (من فقد الغذاء) .
وأحياناً يضغط البنكرياس المتليف على القناة الصفراوية المشتركة فيسبب اليرقان.
ويعتمد التشخيص كما قلنا على وسائل التصوير المختلفة وعلى تلوين قنوات البنكرياس والجهاز المراري بالمنظار وعلى تحليل الدم للسكر، والبراز لنسبة الدهن فيه والعلاج أغلبه باطني، بتعويض إنزيم الليباز عن طريق الفم وتعويض الإنسولين حقناً لمرضى السكر.
وفي غذاء هؤلاء المرضى ننقص نسبة الدهنيات فيه، أما الكحول فيستبعد تماماً.
وللألم الشديد المسكنات، ويستحسن تجنب مشتقات الأفيون مخافة الادمان.
أما الجراحه فنلجأ إليها أحياناً لفتح قناة البنكرياس المسدودة أو لتصريف اليرقان الإنسدادي أو لاستئصال الكيس الكاذب إذا تكون.
أورام البنكرياس
أورام البنكرياس نوعان رئيسيان:
أ- ورم خلايا الجزيرات :
أي أنه ينشأ من جزيرات لانجرهانز التي سبق ذكرها, هذا الورم قد يكون حميداً أو خبيثاً، دقيقاً أو كبير الحجم, وأهم آثاره أنه ينتج مزيداً من الإنسولين أو مزيداً من الجاسترين. الأول يسلب انخفاضاً شديداً في نسبة سكر الدم وله علاماته.
والثاني يسبب إفرازاً غزيراً من حمض المعدة (حمض الكلوريدريك) ويؤدي إلى قروح هضميه عنيدة، وفي أماكن تقليدية وغير تقليدية يصعب علاجها وهو ما نسمية متلازمة زولنجر إليسون.
ب- سرطان البنكرياس:
وهو ينشأ من قنوات البنكرياس أو من خلاياه السنخية 60% من هذا الورم يصيب رأس البنكرياس و 20% يصيب جسمه أو ذيله، والباقي ينشأ في أماكن متعددة.
سرطان رأس البنكرياس يقع في منطقة إستراتيجية بالغة الأهمية، فهو كما قلنا يملأ حنية الإثنا عشري ويلاصقها، وفيه أو وراءه تمر القناة الصفراوية المشتركة والوريد البابي.
ثم إن هذه المنطقة الإستراتيجية قد ينشأ فيها السرطان من مصادر أخرى متعددة: نهاية القناة الصفراوية المشتركة أو (قارورة فاتر) التي سبق أن وصفناها في فصل عن تشريح الكبد والجهاز المراري، أو الغشاء المخاطي فوق حلمة الاثنا عشري وما حولها.
ولما كانت الصورة الإكلينيكية واحدة بصرف النظر عن نشأتها فإننا عادة نتعامل معها جميعاً تحت عنوان (سرطان رأس البنكرياس)، وسيكون كلامنا فيها يلي بهذا المعنى.
سرطان رأس البنكرياس مرض خداع يندر أن يعلن عن وجوده في مرحلة مبكرة وأشهر أعراضه وعلاماته اليرقان ، وهو يرقان من النوع الانسدادي يبدأ مخاتلا ويستمر ويزداد بلا هوادة ولا رجعة.
الألم ليس دائماً من علاماته، وإن حدث فهو إذن في فم المعدة وهو ألم مبهم ومُمض وقد يحس في وسط الظهر أو يزيد بعد تناول الطعام أو عند الاستلقاء وقد يريحه أن ينحني المريض ويجثو.
أما اضطرابات الهضم كفقد الشهية والغثيان والقيء والإسهال الدهني وفقد وزن الجسم فكلها شائعة وأما النزف فهو نوعان: نزف مفاجئ وشديد يعلن عنه بالبراز الأسود، ونزف بطيء ومقيم لا تنتبه إليه إلا بعد ظهور الأنيميا أو تحليل البراز بحثاً عن الدم المختفي وبعض المرضى يظهر فيهم البوال السكري لأول مره إذا تأثرت وظيفة البنكرياس في إفراز الإنسولين.
الفحص الإكلينيكي يظهر الكبد متضخماً وغير مؤلم أما تضخم المرارة وحسها كورم أملس غير مؤلم كروي الشكل أو أشبع بالكمثرى فله قيمة تشخيصية كبرى لأنه يدل على انسداد في القناة الصفراوية المشتركة ليس سببه حصيات مرارية (علامة كورفوازييه)، ومن ثم نتنبه إلى ورم رأس البنكرياس كسبب اليرقان الانسدادي، أما ورم البنكرياس نفسه فيندر أن نحسه بجس اليد.
الفحوص المساعدة كثيرة :
التصوير بالموجات فوق الصوتية أو بأشعة الكمبيوتر المقطعية ، فحص المعدة والاثنا عشرى بالمنظار ، تلوين القنوات المرارية وقناة البنكرياس بالمنظار، ثم هناك طبعاً التحاليل التقليدية كوظائف الكبد ونسبة السكر في الدم.
أما الفحص الباثولوجي فيتوقف على العثور على خلايا سرطانية أو عينه نسيجية بواسطة المنظار إذا كان الورم مُتاحاً كما في حلمة الاثنا عشري.
وأما التقاط عينة من رأس البنكرياس أو جسمه بإبرة موجهة، فيحتاج إلى مهارة خاصة وفي حالات مواتية خاصة إذا كان التفريق بين الورم وبين التهاب البنكرياس المزمن متشابهاً.
هذا الورم يصيب الذكور أكثر من الإناث ومعظم مرضاه بعد سن الستين، وهو آخذ في الانتشار إذ تزداد نسبة المعمرين بين الناس ويتغير التركيب الديموجرافي للسكان .
علاجه يندر أن يكون جذرياً وشافياً فالمرض عادة مستفحل عند تشخيصه والمريض عادة كبير السن مُنهك القوى ، والاستئصال الكامل يتطلب إزالة رأس البنكرياس ومعه الاثنا عشري إذا كان الورم محدوداً.
وعادة نكتفي بالعلاج الملطف :
فك اليرقان الإنسدادي بجراحة توصل بين المرارة والأمعاء، أو غرس أنبوبة من البلاستيك في جوف القناة الصفراوية المسدودة عن طريق المنظار، والألم نخففة بالمسكنات ولا نبالي إذا احتجنا إلى المورفين للألم الشديد المقيم.
متوسط الحياة بعد تشخيص المرض يُعد بالشهور وأحياناً نفاجأ بالمريض داخلاً إلى العيادة بعد 5 سنوات من تشخيصه هذا إذن خطأ منا في التشخيص فقد كان مريضاً بالتهاب البنكرياس المزمن ليس بالسرطان.
وهو أمر كما قلنا متشابه ومعروف بين الأطباء حتى كبارهم !
كتابة:
حسين و مريم