لقاح الجمرة الخبيثة:
نجح لويس باستور بإضعاف العصية الجمرية وإنتاج أول لقاح جرثومي حي مضعف للاستخدام عند الحيوانات في عام 1881. وفي عام 1939 تم تطوير لقاح حي محسن يحتوي عصيات جمرة غير ممحفظة وعديمة الفوعة (لقاح ستيرن Stern). واستعمل عند المواشي، وقد استمر استعماله كلقاح بيطري رئيس في نصف الكرة الأرضية الغربي. ترافق استعمال لقاحات المواشي مع حدوث وفيات عرضية عند الحيوانات، لذا اعتبرت اللقاحات الحية غير مناسبة للبشر.
في بدايات القرن العشرين تمت دراسة رشاحات عصيات جمرة مزروعة بشكل اصطناعي من حيث إمكانية استعمالها كلقاحات. وفي عام 1954 تم تطوير أول لقاح رشاحة زرعية بشري، وقد استعمل الشب alum في هذا اللقاح كمادة مساعدة. زود هذا اللقاح القرود بالتحصين، وسبب ارتكاسات قليلة وتأثيرات جانبية قصيرة الأمد، وقد استخدم فقط في دراسة فعالية التلقيح ضد الجمرة الخبيثة عند الإنسان التي أجريت في الولايات المتحدة. وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي تم تحسين اللقاح عن طريق انتقاء سلالة عصيات جمرية تنتج قسماً أكبر من المستضد الواقي وإنتاج أوساط خالية من البروتين واستعمال هيدروكسيد الألمنيوم كمادة مساعدة بدلاً من الشب. وفي عام 1970 تم ترخيص استعمال هذا اللقاح (لقاح الجمرة الممتز anthrax (AVA vaccine adsorbed في الولايات المتحدة.
خصائص اللقاح:
إن لقاح الجمرة الخبيثة الممتز AVA هو اللقاح الوحيد ضد الجمرة الخبيثة الذي تم ترخيصه من قبل إدارة الأغذية والأدوية FDA في الولايات المتحدة. وهو محضر من رشاحة لا خلوية لمزرعة سلالة من عصيات الجمرة المولدة للذيفان toxigenic غير الممحفظة. لا يحتوي هذا اللقاح جراثیم ميتة أو حية، حيث تحتوي الرشاحة مزيجاً من منتجات خلوية إضافة إلى المكونات الذيفانية الثلاث
LF , EF, PA
يمتز اللقاح بهيدروكسيد الألمنيوم كمادة مساعدة adjuvant، ويحتوي لقاح AVA على كمية لا تتجاوز 0.83 مغ من الألمنيوم في كل جرعة (0.5 مل)، كما يحتوي على 0.0025٪ من كلور البنزثونيوم benzethonium chlorideكمادة حافظة و 0.0037٪ من الفورمالدهید formaldehyde وكمادة مثبتة.
استمناع اللقاح وفعاليته:
إن المستضد الرئيس المسؤول عن تكوين المناعة هو المستضد الوالي PA، حيث يطور ما يقارب %83 من متلقي لقاح AVA أضدادا للبروتين PA قابلة للكشف بعد أسبوعين من إعطاء الجرعة الأولى، بينما تصل النسبة إلى 91٪ عند الملقحين الذين تلقوا جرعتين أو أكثر من اللقاح. ويحدث انقلاب مصلي عند ما يقارب 95% من الملقحين مع حدوث ارتفاع عيار الأضداد من نوع IgG) IgG anti - PA) إلى أربعة أضعاف بعد تلقي ثلاث جرعات من اللقاح. ومع ذلك فإن العلاقة الدقيقة بين عيار الأضداد (أو تركيزها) والتحصين ضد الخمج غير معروفة بشكل مؤكد.
أجريت تجربة سريرية محكمة واحدة لدراسة الجمرة الخبيثة عند الإنسان، وكان ذلك بين عامي 1955 - 1959، حيث أجريت التجربة عند عمال المطاحن باستخدام اللقاح المرسب بالشب لقاح يعتمد على PA، ويعتبر طليعة AVA المرخص حالياً). وتم في هذه الدراسة المحكمة إعطاء اللقاح إلى 379 عاملاً، بينما أعطي 414 عاملاً لقاحاً موهماً placebo، و ترك 340 عاملاً دون إعطائهم أي شيء. وقد أثبتت هذه الدراسة أن اللقاح فعال في الوقاية ضد الجمرة الخبيثة الجلدية والاستنشاقية معاً) في 5 ,92% من الحالات. حدثت خلال هذه الدراسة جائحة من الجمرة الخبيثة الاستنشاقيةعند المشاركين. وبشكل عام حدثت 5 حالات من الجمرة الخبيثة الاستشاقية عند الأشخاص الذين تلقوا اللقاح الموهم أو الذين لم يتلقوا أي لقاح. بينما لم تحدث أية حالة عند الذين تلقوا لقاح الجمرة الخبيثة. لا تتوفر معلومات حول فعالية لقاح الجمرة الخبيثة عند الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة أو الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة.
ظهرت الفعالية الواقية للقاح المرسب بالشب (الشكل المبكر من لقاح رشاحة الى PA) ولقاح AVA في العديد من الدراسات على الحيوانات من خلال استخدام مختلف طرق التعرض للأبواغ.
يعتقد أن الجمرة الخبيثة الاستنشاقية عند قرود المكاك (الريص Thesus) هي التمثيل الأفضل للمرض عند الإنسان، وقد لوحظ أن AVA يعطي وقاية لمدة تزيد عن 100 أسبوع بعد التحدي الرئوي بعصيات الجمرة. إن مدة المناعة الناجمة عن التلقيح ب AVA عند الإنسان غير معروفة وتقترح معطيات الدراسات على الحيوانات أن مدة الفعالية بعد جرعتين من اللقاح قد تصل إلى 1 - 2 سنة.
جدول التلقيح والاستعمال:
تتكون سلسلة التلقيح الأولي ب AVA من ثلاث حقن تحت الجلد الأسابيع 0 ، 2 ، 4 ، يليها إعطاء جرعات أخرى في الأشهر 6 ، 12 ، 18، وتوصي الشركة الصانعة للقاح بإعطاء جرعة معززة سنوياً للمحافظة على المناعة. إن الأساس الذي بني عليه جدول التلقيح السابق الذكر (جرعة في الأسابيع 0 ، 2 ، 4 ، ثم في الأشهر 6 ، 12 ، 18 ، ثم جرعة معززة سنوياً) غير واضح جيداً.
وكما هو الحال في اللقاحات المرخصة الأخرى لا توجد معلومات تدل على أن زيادة الفواصل الزمنية بين الجرعات يؤثر بشكل سلبي على استمناع وسلامة اللقاح. كما تجدر الإشارة إلى أن انقطاع جدول التلقيح لا يتطلب إعادة البدء بسلسلة كاملة من لقاح الجمرة الخبيثة أو إعطاء جرعات إضافية.
نظراً لتعقد جدول التلقيح الأولي المؤلف من 6 جرعات وزيادة تواتر الارتكاسات الموضعية في أماكن الحقن، فقد أجريت دراسات من أجل تقييم استمناع جداول التلقيح التي يتم فيها إنقاص عدد الجرعات واستخدام الحقن العضلي بدلاً من الحقن تحت الجلد. وقد أشارت النتائج التمهيدية إلى أن الجداول التي تستعمل فيها جرعات أقل وبفواصل زمنية أطول وباستخدام الحقن العضلي بدلاً من الحقن تحت الجلد تنتج تراكيز مشابهة من أضداد ال PA. ومع ذلك لم توافق FDA حتى الآن على استعمال أي جدول بديل.
التلقيح قبل التعرض:
يستطب التلقيح ب AVA بشكل روتيني قبل التعرض عند الأشخاص الذين يقومون بأعمال تتضمن إنتاج كميات أو تراكيز من مزارع العصيات الجمرية وكذلك الذين يقومون بنشاطات تكون إمكانية إنتاج الضبوب فيها مرتفعة. أما موظفو المخابر الذين يطبقون إجراءات المستوى الثاني من السلامة الحيوية النظامية standard biosafety level 2 practices أثناء التعامل الروتيني مع العينات السريرية
فليسوا معرضين لزيادة خطر التعرض لأبواغ عصية الجمرة.
لقد انخفض خطر التعرض عند الأشخاص الذين يعملون على تماس مع جلود الحيوانات المستوردة أو فرائها أو مسحوق عظامها أو صوفها أو أشعارها، وذلك من خلال تعديل المعايير الصناعية ووضع قيود على الاستيراد. لذا فلا يوصى بالتلقيح الروتيني قبل التعرض لأفراد هذه المجموعة إلا عندما تكون هذه المعايير والقيود غير كافية؛ لمنع تعرضهم لأبواغ الجمرة الخبيثة. كذلك لا يوصى بالتلقيح الروتيني للأطباء البيطريين في الولايات المتحدة؛ نظراً لانخفاض نسبة الحدوث عند الحيوانات. ومع ذلك يمكن أن يستطب تلقيح الأطباء البيطريين وغيرهم من الأشخاص ذوي الخطورة العالية الذين يتعاملون مع الحيوانات التي يمكن أن تكون مصابة في المناطق التي يكون حدوث الجمرة الخبيثة فيها عالياً.
يمكن أن يستطب التلقيح قبل التعرض عند بعض موظفي الخدمة العسكرية وغيرهم من المجموعات التي يمكن أن تتعرض لإطلاق متعمد لعصيات الجمرة. بينما لا يوصی حالياً بالتلقيح قبل التعرض للعاملين في الدفاع المدني أو في شرطة النجدة أو في المهن الطبية.
التلقيح بعد التعرض:
يطور حوالي 83٪ من الأشخاص الملقحين استجابات مناعية محرضة باللقاح بعد تلقيهم جرعتين من اللقاح، بينما ترتفع الأضداد إلى أربعة أضعاف عند أكثر من 95% من الأشخاص الملقحين بعد إعطائهم ثلاث جرعات من اللقاح. وعلى الرغم من أن العلاقة الدقيقة بين عیار الأضداد والتحصين ضد المرض غير واضحة فقد أكدت دراسات الجمع بين أنظمة اللقاحات بعد التعرض والمضادات الحيوية عند الرئيسيات من غير الإنسان أن جرعة واحدة أو اثنين من اللقاح كانت كافية لمنع تطور المرض عند إيقاف المضادات الحيوية.
لا توجد إلا معطيات قليلة تتعلق بفعالية لقاح AVA بعد التعرض. وتشير الدراسات على الرئيسيات غير الإنسان nonhuman primates إلى أن التلقيح بعد التعرض ليس واقياً لوحده. ومع ذلك فقد أشارت الدراسات إلى أن الجمع بين المضادات الحيوية والتلقيح بعد التعرض فعال في منع حدوثالمرض عند الحيوانات بعد تعرضها لأبواغ العصيات الجمرية. لقد وافقت FDA على استعمال اللقاح الحالي في التلقيح قبل التعرض فقط. أما العدد الأمثل لجرعات اللقاح المستعملة في الوقاية ما بعد التعرض فغير معروف.
المصدر:
المرجع الشامل في اللقاحات، د. عماد محمد زوكار، د. محمد أحمد نوح، دار القدس للعلوم، الطبعة الأولى 2005.