علاج القلق عند الأطفال:
آثار القلق:
للقلق آثار عديدة على صحة الطفل الجسدية والنفسية، مما تنعكس تلك الآثار على وضع الطفل الأسري والاجتماعي والتحصيلي والدراسي، ويمكن تلخيص هذه الآثار بما يلي:
1.القلق والتحصيل الدراسي:
يعد القلق في صورته البسيطة بمثابة الدافع للإنجاز والتحصيل، ولكنه عندما يشتد يكون له أثر سلبي بالنسبة إلى هذا التحصیل. وبحسب الدراسات فأن القلق في أي سن يعد عاملاً معوق في التنظيم، كما وجد مکاند ليس وکاستنادا، أن القلق يضعف من الوظائف العقلية للطفل، وكذلك من قدرته على الانتباه، وأن جهوده تتحول نحو مواجهة مشكلاته بحيث يجد نفسه قاصراً عن التعامل مع واجباته الأخرى بنجاح.
كما بينت دراسات أخرى وجود ارتباطات سلبية بين القلق والذكاء والتحصيل الدراسي، والتي تتزايد في المدرسة الابتدائية. كما بينت الدراسة التجريبية التي قام بها كوتلر على تلاميذ الصف الرابع حتى السادس الابتدائي أن الأطفال الأكثر قلقاً يقرأون ببطء وبطريقة غير صحيحة بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال غير القلقين فيما يتعلق بالقراءة الشفهية. وهذا يدل على أن الأداء الشفهي (التسميع والقراءة الشفهية) تحدث اضطراباً انفعالياً لدى الأطفال الأكثر قلقاً بسبب الضغط الناتج عن ذلك.
وقد دلت الدراسات أيضاً، أنه يوجد ارتباط موجب بين الدرجات العالية في التحصيل الدراسي والقلق المنخفض، كما يتصف الأفراد ذوو القلق المرتفع بالميل إلى العزلة والانطواء بالمقارنة مع الأفراد ذوي القلق المنخفض الذين يتميزون بالميل إلى الاجتماع والاشتراك في الأنشطة المختلفة. فالقلق في صورة الشديدة يكون له أثر سلبي في تحصيل التلاميذ في مراحل التعليم المختلفة، ويكون ذلك واضحاً أكثر عند الإناث منه عند الذكور، ويمكن أن يرد ذلك إلى الحساسية والإنفعالية الزائدة التي تتميز بها الإناث من الذكور.
2.القلق والتكيف:
من خلال الدراسات العديدة تبين أن الأطفال الأكثر قلقاً قد رتبهم المدرسون على أنهم أقل قدرة على التكيف من زملائهم، والذي يظهر خلال عدم الاستقرار والنقص في الانتباه وعدم الرغبة في الجلوس بشكل هادىء داخل حجرة الصف (الفصل). ويذكر المحللون النفسيون أن الأولاد والبنات يتعاملون داخل القلق بصورة مختلفة. فالبنات يوجهن میکانزمات دفاعهن نحو الذات و على شكل أحلام يقظة، في حين أن الأولاد يوجهون دفاعاتهم نحو أشخاص آخرين أو موضوعات أخرى والتي يمكن أن تظهر على شكل مقاومة وعصیان.
3.القلق ومفهوم الذات:
أكدت الدراسات على وجود علاقة بين مفهوم الذات والقلق، فالأطفال ذوو مفهوم الذات الموجب يكونون أقل قلقاً من الأطفال ذوي مفهوم الذات السالب. ففي دراسة قام بها ليبزيت Lipsit على 300 طفل في الصف الرابع والخامس والسادس الابتدائي من الذكور والإناث، وجد أن الأطفال ذوي مفهوم الذات الموجب أقل قلقاً سواء بالنسبة إلى الذكور أوالإناث. وتوصل إلى أن العلاقة بين مفهوم الذات والقلق ذات دلالة إحصائية هامة.
كما دلت الدراسات التي أجريت على عينة من الصف الرابع حتى السادس الابتدائي، أن الطفل الذي يعاني من القلق يميل إلى أن يكون مفهوماً ضعيفاً عن ذاته.
الوقاية والعلاج:
هناك عدة إجراءات لا بد من اتباعها في الوقاية والعلاج من القلق من ضمنها:
1.العلاج الطبي: قبل البدء بإجراءات العلاج النفسي، وفي حالات القلق الشديد عند الأطفال، يمكن استخدام بعض المهدئات مثل الليبيريوم والفاليوم، أو بإعطاء بعض العقاقير الخاصة بالهرمونات العصبية في مراكز الاتصال بالمخ مثل: ألينامید، والملار بلان ... إلخ. كما يمكن استخدام جهاز خاص لتدريب المريض على التحكم في بعض وظائف الجهاز العصبي المستقل (درجة الحرارة) وضغط الدم.
2. العلاج النفسي: يقوم هذا النوع من العلاج على مجموعة من الإجراءات منها:
أ.العمل على تطوير قدرة الطفل على فهم ومواجهة المشكلات:
إن معرفة الطفل للعلاقة السببية بين الأحداث، يمكن أن تقلل من القلق، وتمكنه من اختيار أفضل الأساليب لحل المشكلات التي يواجهها، فالقيام بالعمل هو أفضل من التوتر والقلق.
ولهذا لا بد من تعليم الطفل بأن عدم النجاح هو أفضل بكثير من عدم المحاولة. ولأن الفشل والتوتر يمكن تحملهما عندما يشعر الفرد بأنه قد بذل جهوده، وتتكون الثقة لدى الطفل عندما يفهم كيف يتعامل مع المشكلات ويحلها. فالتعامل مع التوتر هو نوع من المشكلات، ويجب أن يتعلم الطفل كيفية تحلیل موقف التوتر، وأن يساعد في تحديد ما الذي ينبغي عمله.
فبعض المواقف تتطلب أسلوباً هادئاً وصبوراً، وبعضها يتطلب سرعة في اتخاذ القرار، وعلى الآباء تعليم أبنائهم كيفية التمييز بين المواقف المختلفة وكيفية القيام بالعمل المناسب لطبيعة الموقف.
ب.لا بد من تقبل الطفل وإعطائه شعوراً بالأمن والطمأنينة:
لا بد للأباء من أن يهتموا ببناء أساس من الشعور بالأمن عند الطفل منذ طفولته المبكرة وإبعاده عن كل ما يخيفه، وأن يعودوه الابتعاد بعض الوقت عن المنزل بحيث يزداد هذا الوقت تدريجياً. ومن الضروري أيضاً تجنب الحدة في النقاش مع الطفل، وأن يتم الحديث معه في مواقف بعيدة عن التوتر عندما يكون في وضع نفسي يشعر فيه بالأمن والاطمئنان. ومن المستحسن أيضاً أن يتم تطمين الطفل من قبل الراشدين الذين يتصفون بالهدوء والثبات الانفعالي، وأن يذكر للطفل بأن هناك الكثير من المشاكل في الحياة والتي ينبغي أن يتم توقعها والتعامل معها ثم نسيانها؛ لأن الالتصاق بالمشكلة والشعور بضرورة الوصول إلى حل کامل بشأنها يؤدي إلى الشعور بالقلق وقد يوصل إلى طريق مسدود.
ج. تشجيع الطفل عن الانفعالات:
إن التعبير عن الانفعالات من قبل الطفل يعمل كمضاد لحالات القلق التي يعاني منها، لذلك يمكن عقد جلسات أو مناقشات أسرية يعبر فيها كل عضو عن مشاعره وأحاسيسه ومخاوفه بحرية تامة مما يساعد على التفريغ الانفعالي للشحنات التي يعاني منها الفرد ويساعده على تحييد مشاعره نحوها وتصبح أقل تأثيراً في سلوكه. واللعب بالنسبة إلى الطفل من الوسائل الهامة التي يعبر من خلالها عن انفعالاته ويمكن اختيار ألعاب تتضمن أسئلة مفتوحة مثل:
⁃ كيف يشعر الأطفال عندما يكون المدرسون متشددين كثيرا؟ أو
⁃ ماذا يمكنك أن تفعل لو تخطاك شخص وأنت تنتظر دورك في صف؟
د. تدريب الطفل على الاسترخاء:
لا بد في حالات القلق التي يشعر بها الأطفال أن يدربوا على القيام باستجابات الاسترخاء، حيث يتعلمون كيف يتنفسون بعمق وإرخاء عضلاتهم بشكل تدريجي منظم، فالتدريب على الاسترخاء هو مضاد للقلق.
وبعد أن يتعلم الطفل الاسترخاء ويتدرب عليه يمكن استخدام طريق الاسترخاء بالإشارة، حيث يدرب الطفل على قول كلمة أو عبارة تساعده على الاسترخاء مثل (اهدأ، واسترح، هون عليك) وبعد اختيار هذه الكلمة أو العبارة يمكن تردیدها في أثناء الاسترخاء.
ويمكن أن يتم الاسترخاء مع تخيل الطفل لمواقف مثيرة للقلق، ويكون مفيداً في أثناء إعداد قائمة بأسباب القلق والتوتر وتستخدم كمصدر للمواقف المثيرة للقلق المراد تخيلها في أثناء الاسترخاء، وعندما يتعلم هذه الخطوة يمكن للطفل أن يسترخي بنفسه عندما يواجه مواقف مثيرة تبعث على القلق.
ه. استخدام طرق أخرى في مواجهة القلق:
يمكن في أثناء الاسترخاء أن يتخيل الطفل بعض المشاهد السارة التي تبعث على الهدوء ويسمى هذا بالتخيل الإيجابي، كما أن التنفس البطيء العميق من خلال الأنف من الطرق المفيدة في التغلب على القلق.
كما يمكن للطفل عندما يشعر بالقلق أن يقوم ببعض النشاطات مثل: قراءة كتاب أو قصة أو يصغي إلى الموسيقى أو يتصفح بعض الصور الفنية الجميلة، أو يقوم بالرسم، أو ينشغل بأي تدريب أو فعالية ممتعة. فالفعاليات الممتعة تشكل مضادات للقلق.
كما أن الاستحمام بالماء الدافيء يساعد في الاسترخاء ويخلص الطفل من مشاعر القلق، ومن الطرق المساعدة الأخرى أن يعمل الفرد على إهمال ما يثير القلق، كما أن التركيز في مشكلة معينة والتي تسبب القلق عند الطفل قد يكون المشكلة والتفكير فيها بعمق وبشكل متكرر يحيد مشاعر الطفل الانفعالية نحوها ويجعلها أقل إثارة لمشاعر القلق عنده.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.