المشاكل الدراسية عند الأطفال
إذا كان طفلكِ/ طفلكَ يواجه بعض المشكلات الدراسية كمشكلة التأخر الدراسي أو ضعف دافعية الإنجاز الدراسي أو حتى مشكلات التكيف عند المتفوقين، ما عليك إلا متابعة سلسلة مقالات مشكلات الدراسة لدى الأطفال مع مدكوساي: (2) ضعف دافعية الانجاز الدراسي:
يقصد بالمشكلات الدراسية تلك المشكلات التي تتعلق بتحصيل التلاميذ في المواد الدراسية. وسوف نستعرض في هذه السلسلة أهم المشكلات التي يواجهها التلاميذ وآبائهم في المدرسة. وستكون البداية مع مشكلة التأخر الدراسي.
وفي هذه المقالة سيتم تسليط الضوء على مفهوم الدافعية للإنجاز ومظاهرها:
تعتبر دافعية الإنجاز أحد الجوانب المهمة في نظام الدوافع الإنسانية، فهي حالة داخلية تحرك السلوك وتوجهه نحو هدف ما.
وقد عُرّف الدافع للإنجاز بأنه:
الرغبة في الأداء الجيد، وتحقيق النجاح، وهو هدف ذاتي ينشط ويوجه السلوك ويعتبر من المكونات المهمة والأساسية للنجاح الدراسي.
ومفهوم دافعية الإنجاز يرتبط بأعمال موراي في كتابه (استكشاف الشخصية) إلا أن تحديد معناه يعود إلى العالم سيرز. غير أن الدراسات المنظمة في هذا المجال قد ارتبطت بأعال ماكليلاند ود.أوتكنسون. ولهذا استناداً إلى أعمال ماكليلاند وأوتكنسون يتحدد مفهوم دافعية الإنجاز بأنه:
السعي تجاه الوصول إلى مستوى من التفوق أو الامتياز وهذه النزعة تمثل مكونة أساسية في دافعية الإنجاز، وتعتبر الرغبة في التفوق والامتياز أو الإتيان بأشياء ذات مستوى راقٍ خاصية مميزة لشخصية الأشخاص ذوي المستوى المرتفع في دافعية الإنجاز.
ولهذا يعتبر الدافع للإنجاز أحد الدوافع المهمة التي توجه سلوك التلميذ خلال سنوات دراسته من أجل تحقيق التقبل أو تجنب عدم التقبل (تحقيق النجاح أو تحقيق الفشل)، فهي قوة مسيطرة في حياة التلميذ المدرسية. حيث أن تقبل المعلمين لهم يقوم أساساً على استمرارهم في تحقيق مستوى مرتفع من الإنجاز. ولهذا فإن التلاميذ الذين تظهر عندهم دافعية عالية للإنجاز والتحصيل والتعلم يحصلون تحصيلاً عالياً. حيث يعتبر هؤلاء الأطفال أن النجاح لا يأتي إلا من خلال العمل الجاد، وأن الفشل يأتي من عدم العمل.
كما أن مرتفعي الدافعية للإنجاز يضعون لأنفسهم أهداف مرحلية يستطيعون تحقيقها، حيث أن النجاح يؤدي إلى مزيد من النجاح والمثابرة أكثر مما تؤدي إليه الرغبة في تجنب الفشل.
أما ضعف الدافعية للإنجاز، فتؤدي إلى الضعف في التحصيل الدراسي وقد تؤدي إلى الفشل. فالتلاميذ الذين لا توجد عندهم دافعية كافية للإنجاز لا يبذلون جهداً يتناسب مع إمكاناتهم.
وقد بينت الدراسات أن هناك حوالي 15 - 40% من الأطفال تحصيلهم متدني. وأن تدني التحصیل هو أكثر ظهوراً عند الأولاد منه عند الإناث. وتدني التحصيل يظهر في سن السادسة، حيث يبدأ الأطفال بالتنافس في التحصيل مع غيرهم، وغالباً ما يزداد سوءاً إذا لم تتم معالجته.
هذا وقد أظهرت نتائج الدراسات أنه كلما زاد التركيب الأسري تسلطياً وتقليدياً، انخفض مستوى الدافع للإنجاز بين الأشخاص الذين ينشأون في مثل هذه البيئات.
فالإنسان ابن بيئته الاجتماعية يؤثر ويتأثر بها. مما يجعل للأساليب التي يمارس فيها الضبط ومصادرها أثراً كبيراً في دافعية الإنجاز عند التلاميذ. وقد ذكر لو Lao، أن البيئة والثقافة اللتين يعيش فيها الفرد لها أكبر الأثر في تكوين مصدر الضبط عليه، مما دعا روتر Rotter إلى افتراض وجود علاقة بين الدرجة العالية للإنجاز وبين مصدر الضبط الداخلي للفرد. حيث أن هؤلاء يشعرون بأن لديهم سيطرة وتحكم على بيتهم، وأن ما يفعلونه يترتب عليه مكانتهم داخل الجماعة التي ينتمون إليها. وأن التعزيزات أو عواقب السلوك من مدح أو ذم ومن تقدير أو عدم تقدير سببها سلوكهم وليس أحد غيرهم بخلاف الأفراد أصحاب مصدر الضبط الخارجي الذين يتقاعسون عن العمل؛ لأن النتائج محكومة بعوامل ليس لهم سيطرة عليها وليست مترتبة على جهودهم مثل الحظ أو القدر الذي تدخل ولعب دوره ليصلوا إلى ما وصلوا إليه.
ولهذا أكدت دراسة مورین Maureen أن ذوي مصدر الضبط الخارجي يميلون إلى إظهار مثابرة أقل في الأعمال التي يكلفون بها بعكس نظرائهم ذوي مصدر الضبط الداخلي والذين أظهروا ارتباطاً جوهرياً مع الإنجاز الأكاديمي. وبما أن الدافع إلى الإنجاز مكتسب من البيئة، لذا تلعب التنشئة الاجتماعية للطفل دوراً أساسياً. فالأساليب التي تدعم الاستقلالية والثقة بالنفس عند التلاميذ تكون دافعيتهم للإنجاز عالية بعكس الأساليب التي تقوم على التسلط والقهر والمراقبة المستمرة وعدم الثقة حيث تقلل من الدافعية للإنجاز عند هؤلاء التلاميذ الذين يتعرضون لمثل هذه الأساليب القهرية.
وهذا ما أكدته دراسة هافين Heaven (1990) حيث أظهرت أن الطلاب ذوي الضبط الداخلي يتفوقون في الإنجاز الأكاديمي بالمقارنة مع الطلاب ذوي مصدر الضبط الخارجي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأطفال الذين يأتون من بيئات اجتماعية محرومة أكثر عرضة لضعف الدافعية للإنجاز والدراسة. كما أن عدم مراعاة المدرسة لاحتياجات وميول التلاميذ، وعدم وجود ما يجذب اهتمام التلاميذ داخل المدرسة يؤدي إلى ضعف الدافعية للإنجاز والتحصيل بالمقارنة مع التلاميذ الذين يدرسون في مدارس تراعي حاجات وميول واهتمامات التلاميذ فيها.
أسباب ضعف الدافعية للإنجاز الدراسي:
إن لضعف الدافعية للإنجاز عند تلاميذ المدارس وخاصة في المرحلة الابتدائية أسباب متعددة نذكر من ضمنها ما يلي:
1.توقعات الوالدين المرتفعة جداً والمنخفضة جداً: يرتبط دافع الإنجاز بشكل مباشر بتدريب الطفل المبكر وممارساته. فالأفراد الذين يوجهون إلى الدراسة يتعلمون كيف يكونون مستقلين وهم يكافأون على إنجازاتهم الدراسية من قبل والديهم. كما أن آباء الأطفال ذوي الحاجات القوية للإنجاز يميلون إلى الاشتراك انفعالياً في الأعمال التي يؤديها أولادهم والتي ترتبط بالإنجاز. ولكن قد يبالغ الآباء ويضعون معايير مرتفعة الإنجاز لأبنائهم كلما أحرزوا تقدمه، وقد يمارسون القسوة الشديدة ليحقق أبناؤهم الإنجاز العالي في المدرسة مما يجعل الأبناء غير مبالين بالتحصيل المدرسي وتضعف دافعيتهم للإنجاز، ويشعرهم بأنهم فاشلون وكل ما يفعلونه غير صحيح.
بالإضافة إلى ذلك فإن توقعات الوالدين المرتفعة والمبالغ فيها تطور لدى الأطفال خوفاًمن الفشل ويؤدي إلى الإنجاز المنخفض. كما أن دفع الطفل إلى الإنجاز العالي قد يولد لديه دافعة لتجنب النجاح، وهو دافع اجتماعي متعلم تستثيره المواقف التنافسية عندما يخشى الأفراد أن يجلب النجاح لهم نتائج سلبية.
من جهة أخرى، فإن توقعات الوالدين المنخفضة جداً من أبنائهم تؤدي بهم إلى الاستجابة وفقاً لذلك، والآباء في هذه الحالة لا يشجعونهم على الإعداد الكافي وبذل الجهد؛ لأنهم يعتقدون أنهم غير قادرين على ذلك. كما أنهم لا يشجعون عندهم الاستقلالية والاعتماد على الذات مما يجعلهم إتكاليين وغير مهتمين بالإنجاز وتضعف دافعيتهم لذلك.
2.التنشئة الاجتماعية الخاطئة: تلعب أساليب التنشئة الاجتماعية التي يتبعها الوالدان مع أبنائهم دوراً هاماً في إكسابهم الأساليب التي تركز على الاستقلالية والاعتماد على الذات أو الإتكالية واللامبالاة في الانجاز. فالقسوة في المعاملة من أجل الوصول إلى الإنجاز العالي تؤدي إلى ضعف الدافعية عند الطفل، كما يميل إلى الإهمال وذلك لعقاب الوالدين. كما أن شعور الطفل بأنه منبوذ وأنه موضع انتقاد مستمر من قبل والديه يولد لديه الشعور بعدم الكفاءة مما ينعكس سلباً على تحصيله الدراسي ويضعف دافعيته نحو الإنجاز.
أما الحماية الزائدة للأطفال من قبل الوالدين فتولد لديهم الشعور بالضعف والإتكالية وعدم القدرة على المبادرة، ويكونون غير ناضجين وضعيفي الدافعية للإنجاز.
أما إهمال الطفل أو تسيبه والذي يبعد رقابة الوالدين عنه باعتقادهم أن ذلك يعلم الطفل الاعتماد على الذات والاستقلالية فإن هذا الأسلوب من شأنه أن يوقد عند الطفل شعور بالخوف وعدم الأمن وينعكس ذلك سلباً على دافعيته للإنجاز. فالأطفال هنا لا يتعلمون كيف يتصرفون بشكل مناسب في المواقف الصعبة. وغالباً ما يكون الآباء أنفسهم متسيبين أو نشأوا في بيئة متسيبة.
إن ما ذكرناه من أساليب خاطئة للتنشئة الاجتماعية تؤدي إلى تدني تقدير الذات عند الطفل وشعوره بعدم القيمة إذ لا حول له ولا قوة.
وتدني تقدير الذات عند الطفل يؤدي إلى اعتقاده بأنه غير قادر على التعلم والإنجاز، ويقلل من قدر نفسه ومن مستوى طموحه مما يضعف من دافعيته نحو الدراسة والإنجاز.
3.كثرة الخلافات داخل الأسرة: إن كثرة الخلافات والمشكلات داخل الأسرة تؤدي إلى إضعاف رغبة الطفل في الدراسة والمدرسة، وتجعل الطفل مكتئباً حزيناً يجتر آلامه ومخاوفه من هذه المشكلات. وتؤدي إلى شعوره بعدم الأمن مما يضعف لديه الرغبة في التحصيل وقد يلجأ بعض الأطفال إلى أساليب هروبية من هذه المشكلات باستخدام أحلام اليقظة وبعض العقاقير وغير ذلك من وسائل أخرى.
4.الجو المدرسي غير المناسب: تعتبر سنوات المدرسة الأولي مهمة جداً في تشكيل الدافعية للإنجاز حيث تميل هذه الدافعية إلى الثبات نسبياً. ولهذا فإنه من الضروري جداً أن يتم تطوير الاهتمام بالتعلم عند التلاميذ وجعلهم أكثر تقبلاً للتنافس وتوقعاً للنجاح.
ويلعب المدرسون دوراً هاماً في تنمية السلوك المرتبط بالإنجاز. فالمدرس الجيد هو الذي يستطيع إثارة دافعية الطفل إلى أعلى درجة ممكنة ويساعد الطفل في الوصول إلى أقصى ما تسمح به قدراته.
أما المدرس الذي لا يبالي بعمله ويكون غير متحمس لعمله وغير متدرب التدريب الكافي يؤدي إلى إضعاف الدافعية للإنجاز عند تلاميذه. ومثل هؤلاء المدرسين لابدّ من إبعادهم عن العمل في مجال التعليم.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن للآباء أن يؤثروا تأثيراً إيجابياً في النظام التعليمي، وخاصة من خلال مجالس الآباء وذلك من خلال ممارسة الضغوط الإيجابية على المدرسة لجعل التعليم أكثر إثارة واكثر ارتباطاً بحاجات التلاميذ.
5.التأخر في النمو: أكدت الدراسات أن الأطفال الذين يسير نموهم بمعدل بطيء بالمقارنة مع أقرانهم هم أقل دافعية من أقرانهم، أي أن توقعاتهم من أنفسهم في مجال التعلم قد تكون أقل من توقعات أقرانهم بما يعادل سنتين إلى ثلاث سنوات. مع أنهم قد يكونون من الناحية العقلية في مستوى المتوسط. ويوصف هؤلاء الأطفال بأنهم غير ناضجين جسمياً ونفسياً واجتماعياً.
أما الأطفال الذين يعانون من صعوبات ذات منشأ وراثي في التعلم، فإن النقص العام في الدافعية للإنجاز لديهم غالباً ما يكون ناتجاً عن وظائف الجهاز العصبي المركزي. وهؤلاء تعوزهم المثابرة ويحبطون بسهولة وتكون نواتج جهودهم غير مرضية لهم وللآخرين مما يولد لديهم ضعف الدافعية للإنجاز.
الوقاية والعلاج:
1.أن تكون توقعات الوالدين من أبنائهم معقولة ومقبولة: إن تفهم الوالدين وحساسيتهما هاماً جداً بالنسبة إلى صغار الأطفال خاصة. ولهذا يكون من الضروري العمل على تشجيع الطفل في عمر مبكر من أجل بذل الجهد الكافي، وعلى تحمل الإحباط؛ لأن ذلك ينمي عند الطفل مفهوم ذات إيجابية ويزيد من الدافعية للتعلم والإنجاز.
2.كما يجب على الآباء تجنب النقد والسخرية من الأطفال. وتشجيع محاولات الطفل لفهم العالم من حوله. والمهم أن يشعر الأطفال بأن والديهم يتقبلانهم حتى في الأحوال التي لا يتمكنون فيها من الأداء الناجح، فيجب عدم ربط الجدارة الذاتية للطفل بالتحصيل والإنجاز.
3.وعلى الآباء أن يكونوا واعين متفهمين تماماً للاستعدادات الموجودة عند الطفل، وأن تكون توقعاتهم معقولة من الطفل حتى لا يصاب بالإحباط. وعندما تكون متطلبات الوالدين ضمن حدود قدرات الطفل فإن إنجاز الطفل يكون مقبولاً وأكثر واقعية، وهذا يجعل الأطفال ينظرون إلى الكبار على أنهم مصادر للدعم والتشجيع وليس مصادر للنقد والتجريح.
4.كما يجب على الآباء أن يعلموا أبناءهم كيفية تركيز الانتباه على مهمة معينة والمثابرة على إنجازها. وأن يتعلم الأطفال كذلك قيمة التعلم؛ لأن ذلك يزيد من رغبتهم في التعلم عن قناعة وجدارة.
5.ضرورة استخدام أسلوب المكافأة الفورية مع التلاميذ: يتوجب على المعلمين والآباء امتداح سلوك الأطفال بشكل مباشر أو غير مباشر وأن يكافئوه. فالنجاح في المهمات المدرسية يرتبط ارتباطاً مباشراً باهتمام البيت والمدرسة بالإنجاز والحرص على مكافأته. فمفهوم الذات الموجب عند الطفل يتكون من خلال سلسلة الإنجازات التي يؤديها الطفل وتلقى الاستحسان من قبل الوالدين والمعلمين، ولهذا فإن مكافآت الوالدين للأداء الصفي تترك أثراً واضحاً لدى التلاميذ منخفضي الدافعية، وحتى الانتباه من قبل المعلمين والوالدين يمكن أن يكون مثيراً قوياً للدافعية إذا استخدم بشكل مناسب وهادف. فاستخدام المكافآت يؤدي إلى تحسين الأداء المدرسي إلى الحد الأقصى كما أشار إلى ذلك آيلون وكيلي Ayllon & Kelly.
6.مشاركة الآباء في تحسين الظروف المدرسية: يمكن لمجالس الآباء أن تحسن من المناخ المدرسي وتجعله أكثر جاذبية وإثارةً لدافعية الإنجاز عند التلاميذ. ويكون ذلك من خلال الدعم لموازنة المدرسة من المكافآت للمعلمين الجدد، وتدريب المعلمين في أثناء الخدمة، وشراء الوسائل والأدوات التي من شأنها أن تزيد من فعالية التعليم وجاذبيته. وأن يعمل الآباء أيضاً على اقتراح التعديلات على المناهج المدرسية لتصبح أكثر إثارة. بالإضافة إلى تشجيع تنظيم المحاضرات والندوات العلمية والبرامج الخاصة والرحلات العلمية. وكل ذلك شأنه أن يثير ويزيد من الدافعية للإنجاز عند التلاميذ.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د. أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع - سلطنة عمان، 2013، ص 221 - 227.
كتابة : هيا سليم