المشاكل الدراسية عند الأطفال
إذا كان طفلكِ/ طفلكَ يواجه بعض المشكلات الدراسية كمشكلة التأخر الدراسي أو ضعف دافعية الإنجاز الدراسي أو حتى مشكلات التكيف عند المتفوقين، ما عليك إلا متابعة سلسلة مقالات مشكلات الدراسة لدى الأطفال مع مدكوساي: (3)مشكلات التكيف عند المتفوقين:
يقصد بالمشكلات الدراسية تلك المشكلات التي تتعلق بتحصيل التلاميذ في المواد الدراسية. وسوف نستعرض في هذه السلسلة أهم المشكلات التي يواجهها التلاميذ وآبائهم في المدرسة. وستكون البداية مع مشكلة التأخر الدراسي.
وفي هذا المقال سوف نطرح ونناقش مشاكل التكيف لدى المتفوقين، متطرقين إلى مفهومها وأسبابها الممكنة، مع معالجتها وطرق الوقاية منها.
يولد الفرد ولديه استعدادات فطرية معينة تشكل الأساس لقدراته العقلية مستقبلاً. ثم تقوم البيئة بتسهيل أو إعاقة نمو هذه الاستعدادات وتحويلها إلى قدرات أو إعاقتها. وبما أن الأفراد يعيشون في بيئات متباينة، فإن ذلك يؤدي إلى وجود أفراد لديهم قدرات مختلفة. واستناداً إلى ما يمتلكه الفرد من قدرات وتميز في هذه القدرات يمكن أن نَسِم هذا الشخص بدرجات مختلفة للتفوق. فقد نقول إنه متفوق أو متفوق جداً أو عبقري ... إلخ.
فالقدرات شروط أساسية ولازمة للإنجاز المتميز تمكن الفرد من ممارسة أعماله وأداء مهامه بشكل متفوق وناجح. ولهذا ليس غريباً ألا نجد تعريفاً محدداً للتفوق العقلي، حيث يرى تورانس Torrance أن ذلك يعود إلى توسع مفهوم التفوق ووجود طرق جديدة وكثيرة لاكتشاف الكثير من أشكال التفوق عند الأشخاص. فقد عرّف مثلاً باسو Passo التفوق:
على أنه القدرة على الامتياز في التحصيل. في حين أن دي مان وهفهرست قد حددا مفهوم التفوق العقلي من خلال تأكيدهما على أن الأطفال المتفوقين يمتلكون قدرات عقلية وأكاديمية عامة، ولديهم موهبة خاصة في المجالات المعقدة، ويمتلكون صفات قيادية اجتماعية ،ولديهم قدرات تفوق خاصة في المجال العلمي والتقني واليدوي، ويمتلكون قدرة خلق فنية، ولديهم قدرات متنوعة بالإدراك المكاني وإدراك العلاقات.
أما حوراني، فيعرف التفوق بأنه:
قدرة تساعد الفرد على القيام بإنجاز معقد ومركب في مجال أو أكثر من مجالات العمل الإنساني وذلك بشكل سهل وسريع نسبياً، إذا ما قورن ذلك الإنجاز مع إنجاز أفراد آخرین من العمر نفسه.
وبناءً على ذلك نتفق مع حوراني، فنرى أن التفوق العقلي عبارة عن قدرة تساعد الفرد على التفوق والإنجاز في مجال أو أكثر بسهولة وسرعة إذا ما قورن مع أداء الآخرين وإنجازهم.
والشخص المتفوق غالباً ما يمتلك صفات شخصية وعقلية وانفعالية وجسدية متميزة، ولكن لا يعني دائماً أن هذه الصفات تجعله سعيداً. فقد دلت التقارير الواردة من قبل المشتغلين مع المتفوقين عقلياً أنه توجد لديهم مشکلات خاصة تتصل بهم كأشخاص أو تتعلق بمحيطهم الثقافي والاجتماعي.
ولهذا يرى بورت أن أهم مشكلات المتفوقين عقلياً هي في الفارق الكبير بين نضج قدراتهم العقلية، وعدم نضج مشاعرهم وعواطفهم التي تتطابق مع عمرهم الزمني، فهم أطفال يمتلكون وعياً كبيراً ويشعرون دائماً بالعزلة.
بالإضافة إلى ذلك توجد لدى المتفوقين مشكلات تحصيلية واجتماعية وانفعالية في المدرسة. ويذكر بعض علماء النفس أن نسبة كبيرة من الأطفال المتفوقين (حوالي الثلث) يظهر عندهم صعوبات دراسية أو لا ينجزون الإنجاز الذي يتناسب مع قدراتهم العقلية.
وهذا يعني بأن هؤلاء المتفوقين يحتاجون إلى المساعدة والإرشاد والتوجيه لضمان حسن توافقهم، وإنجازهم الإنجاز الذي يتناسب مع مستوى قدراتهم العقلية، فهم جيل المستقبل المنتظر.
أسباب مشكلات التكيف عند المتفوقين:
تتنوع مصادر مشکلات الأطفال المتفوقين عقلياً، فمنها ما يكون سببه الأسرة، ومنها تسببه المدرسة، والأخرى تتصل بذات الطفل المتفوق وغير ذلك من أسباب ومسببات لهذه المشكلات. ولهذا سوف نتناول فيما يلي أهم أسباب مشكلات التكيف عند المتفوقين عقلياً:
1.الأسباب الأسرية: قد يتجاهل الأبوان الطفل المتفوق عقلياً أو يقفان منه موقفاً سلبي؛ وذلك من خلال تكليفه بمهام لا تتناسب مع قدراته، أو تقييد تصرفاته وعدم إتاحة الفرصة له في الاعتماد على نفسه في حل المشكلات التي تواجهه.
کما يبالغ الوالدان أحياناً في توجيه ودفع التلميذ (الابن) إلى التفوق والنجاح وأن يكون دائماً الأول في صفه، مما يحتم على الطفل بذل جهود كبيرة قد تفوق قدراته وإمكاناته وتوقعه في الإحباط مما من شأنه أن يؤدي إلى نفوره من المدرسة، وفشله وتقصيره المدرسي، وقد يؤدي أيضاً إلى إصابته باضطرابات سلوكية مختلفة.
2.الأسباب المدرسية: تلجأ المدرسة أحياناً إلى تقدير مستويات التفوق العقلي الخاصة أو العامة عند التلاميد بشكل خاطىء أو متأخر، مما يترتب عليه أحياناً إغفال وإهمال التلاميذ المتفوقين وعدم رعايتهم. الأمر الذي يؤدي إلى إصابتهم باضطرابات انفعالية مختلفة، أو قد يؤدي إلى طمس القدرات الإنجازية المتفوقة خاصةً إذا ترافق ذلك مع مراحل انقطاع النمو العقلي التي يراها تورانس (1964)، وخاتینا (1982) التي تقع في الأعمار (5، 9، 13، 17) وأخطرها في سن التاسعة.
وقد يلجأ المعلم أيضاً إلى معاقبة التلميذ الذي يقع في الخطأ مما يؤدي ببعض التلاميذ المتفوقين إلى تجنب المبادرة حتى لا يتم الوقوع في الخطأ الذي يؤدي إلى العقاب. وهذا من شأنه طمس الكثير من القدرات الموجودة عند التلاميذ وعدم إتاحة الفرصة لهم للتفوق والنجاح.
كما أن اضطرار التلاميذ المتفوقين إلى الانتظار ومسايرة اقرانهم داخل الصف إلى الوقوع في مشکلات متعددة تؤدي إلى انخفاض سريع في منحني نمو قدرات التفوق العقلي في عمر الرابعة والسابعة.
بالإضافة إلى ذلك، فأن التلميذ المتفوق يقدم أفكاراً أصيلة وجديدة قد لا تلقي القبول من قبل زملائه في الصف، وقد يتخذون منها موقفاً سلبياً، مما يجعل الطفل يضطر إلى مسايرة زملائه والامتثال إليهم. فقد أجرى تورانس عام 1964 في الولايات المتحدة الأميركية دراسة شملت 40 تلميذاً من بين تلاميذ الصف السابع، والذي افترض أنهم ربما سيتسربون باكراً من المدرسة بسبب تقصيرهم الدراسي، فوجد أن 90% من هؤلاء التلاميذ قد أظهروا أنه لا يوجد أحد في المدرسة يأخذ بجدية الأفكار والمقترحات التي يبدونها.
غير أن معاقبة السلوك الاستكشافي والبحثي عند التلاميذ المتفوقين يؤدي إلى تقييد السلوك الذي يدل على التفوق العقلي وإخماده، مما يؤدي إلى سلب شجاعة التلميذ المتفوق، وزعزعة ثقته بنفسه
فقد وجد تورانس (1999) أن 43% من التلاميذ الذين يرغبون في ترك المدرسة يخافون من طرح أسئلة في أثناء الحصة الدراسية.
كما أن عدم مناسبة المنهج الدراسي لهؤلاء المتفوقين يؤدي بهم إلى الملل وفقدان الاهتمام. أو قد تشعرهم بالغطرسة والتكبر، ورفض المدرسة؛ نظراً لعدم وجود المهمات التعليمية التي تتحدى تفكيرهم.
3.الأسباب الثقافية: قد تكون الأسباب الثقافية من المعوقات التي تعوق التفكير عند الأطفال المتفوقين عقلياً. فإبراز وتأكيد دور الجنس في تحديد السلوك المسموح أو الممنوع يؤدي إلى تقييد فضول التلميذ العلمي، ويعد من المعوقات الأساسية في نموه وتفوقه التعليمي. ففي دراسة قام بها فوکس (1987) على البنات المتفوقات في مادة الرياضيات، وجد أن معوقات النمو المدرسي لديهن داخلية وخارجية.
أما المعوقات الخارجية فتتعلق بالدور الذي يقر به المجتمع للأنثى ويتم تدعيمه من قبل الأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام، وهذا الدور الذي تتبناه الفتيات المتفوقات يتم تمثله ليصبح من المعوقات الداخلية الذي يعيق التحصيل المدرسي. وهذا ما يشير إلى قلة عدد الفتيات المتفوقات في الرياضيات بالمقارنة مع الفتيان المتفوقين في هذه المادة.
بالإضافة إلى ذلك فهناك الاعتقاد الشائع لدى الكثير من الأوساط الثقافية بأن كل سلوك لا يجاري السلوك العادي يعد مرضياً، وغير أخلاقي، ويحتاج إلى تصحيح. وهذا بدوره يعيق التفوق العقلي الذي يعد انحرافاً عن السلوك العادي.
4.الإجهاد والضغط النفسي المستمران عند المتفوقين عقلياً: إن الدأب من أجل التفوق والتحصيل من خلال التصدي لمشکلات تتطلب الحل هو شيء مرغوب فيه لدى المتفوق عقلياً مما يدعم ثقة الشخص المتفوق بنفسه وبقدراته عند وصوله إلى الحل المناسب، ولكن قد تكون المشكلات أو المهمات تتطلب من المتفوق بذل جهود إضافية كبيرة، أو قد تحتاج إلى قدرات عقلية تفوق ما لديه من قدرات مما يوقعه في الإجهاد النفسي أحياناً. وقد يكون المجتمع سبباً في ذلك.
الإجراءات الوقائية والعلاجية:
تعود بعض المشكلات المتصلة بسوء التكيف لدى الأطفال المتفوقين عقلياً إلى الطفل ذاته، وبعضها يعود إلى الأسرة، والآخر يعود إلى المدرسة. ولهذا لابدّ من تقديم التوجيه والإرشاد لهؤلاء جميعاً وبصورة مستمرة، وأن يكون تقديم التوجيه والإرشاد عملية شاملة.حيث يرى خاتینا في التوجيه إجراءً وقائياً يهدف إلى خلق شروط وإمكانات كتلك التي تسمح باكتشاف القدرات العقلية المتميزة لدى المتفوقين عقلياً، ويؤدي إلى تحقيق الذات والصحة النفسية لديهم.
أما أهم الإجراءات الوقائية والعلاجية فهي كالتالي:
أ.الإجراءات الموجهة إلى الطفل المتفوق: لابدّ من تقديم التوجيه والإرشاد إلى الطفل المتفوق؛ لمعرفة كيفية الاستفادة من قدراته العقلية بالشكل الصحيح والمناسب دون أن يصاب بالإجهاد النفسي، وأن يوجه نشاطه في مسارات تعود عليه وعلى المجتمع بالفائدة الكبيرة.
ب.الإجراءات الموجهة إلى الأسرة: الأطفال المتفوقون هم قبل كل شيء أطفال، ويجب معاملتهم على هذا الأساس. ولهذا لابدّ للوالدين في أثناء توجيهما للطفل المتفوق من أجل النجاح أن يحرصا على معرفة مستوى قدراته، وألا يكلفاه بأعمال تفوق مستوى هذه القدرات، وأن يعلم أن النمو في جوانب الشخصية الأخرى لا تسير بالسرعة نفسها التي يسير فيها النمو العقلي. كما يجب على الأسرة أن تحسن الاستماع إلى الطفل المتفوق خاصة في مسائل تستثير فضوله العلمي، أو جوانب اجتماعية مشكلة بالنسبة إليه.
كما يحتاج الطفل المتفوق إلى المشاركة الوجدانية من قبل الأبوين، مما يوجب على الأسرة البحث عن الوقت الكافي للتفاعل مع أبنائهم المتفوقين سواء في المنزل أو في نشاطات تنظمها الأسرة.
وعلى الأسرة أن تتفهم طموح أبنائها وولعهم الشديد بالتفوق، وأن تسعی ما أمكن لتنمية جوانب التفوق المختلفة لديهم وتشجيعها بالشكل المطلوب، وأن تتقبل التفوق لديهم، وتعاملهم كأشخاص عاديين وليس على أساس أنهم اشخاص يمثلون فئة معينة ولديهم مواهب وقدرات خاصة. ولهذا يكون واجباً على الأسرة أن ترعى الطفل المتفوق وتحميه ما أمكن من الإحباطات والمشكلات التي يمكن أن يتعرض لها في حياته اليومية. وهذا يوجب على الأسرة أن تقيم صلات مستمرة مع المدرسة للتعرف على مشكلات أبنائها للعمل على المساهمة في حلها.
ج.الإجراءات الموجهة إلى المدرسة: والمدرسة تضطلع بدور كبير في وقاية الأطفال المتفوقين عقلياً من مشکلات سوء التكيف التي يتعرضون لها، وذلك من خلال الكشف المبكر عن التفوق العقلي الموجود بين التلاميذ للعمل على تلافي كل ما يضعف أو يطمس قدراتهم العقلية أو يوجهها في الاتجاه غير الصحيح. ولهذا يكون من واجب المعلم العمل على تشخيص قدرات التفوق العقلي لدى تلاميذه بشكل مبكر وصحيح مما يفيد في اختيار الموضوعات اللازمة والمناسبة التي تتحدى تفكيرهم وقدراتهم العقلية دون أن تتجاوز المستوى الذي لا يستطيع هؤلاء الوصول إليه ويعرضهم للإجهاد.
كما يجب على المعلم احترام الأفكار والإجابات غير العادية والتي يقدمها التلاميذ في أثناء حل المشكلات، مما من شأنه أن يعزز لديهم الثقة بأنفسهم، ويطور قدراتهم العقلية، ويزيد من دافعيتهم للبحث والتنقيب. لذا يجب على المعلم أن يتعاون مع زملائه (خاصة إذا كان كل منهم يدرس مادة متخصصة) لتحديد جوانب التفوق عند التلاميذ بشكل دقيق، وأن يتعاون أيضاً التلاميذ المتفوقين من أجل التخطيط والتنفيذ الأمثل، وإبعاد كل ما يمكن أن يعترض طريق المتفوقين من صعوبات.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د. أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع - سلطنة عمان، 2013، ص 227 - 233.
كتابة : هيا سليم