القائمة الرئيسية

الصفحات


 أسباب الأمراض النفسية عند الأطفال: 

 

إن لكل شيء سبباً، وإنه لا شيء يأتي من لا شيء. والمبدأ الرئيسي في أسباب الأمراض النفسية مبدأ تعدد وتفاعل الأسباب. 

 

 

فالحياة النفسية ليست من البساطة بحيث تكون رهينة لسبب واحد، فمن الصعب أن نقول أن الأسباب الوراثية أو الاجتماعية وحدها السبب الوحيد الكامن وراء حدوث المرض النفسي. بل تتعدد الأسباب إلى الحد الذي يصعب فيه الفصل بينها أو تحديد مدى أثر كل منها. 

 

ومن أجل التسهيل يمكن تصنيف أسباب الأمراض النفسية عند الأطفال إلى ثلاثة أقسام هي: 

 

الأسباب الحيوية (البيولوجية): 

 

وهي ما نسميها الأسباب الجسمية أو العضوية المنشأ والتي تطرأ في تأريخ نمو الفرد. فالطفل له مكوناته البيولوجية التي ترتكز على المورثات، والتي تشكل المرتكز المحوري لموضوع نقل الصفات الوراثية، سواء من حيث الشكل أو اللون، أو النمو في حالتي السلامة والمرض، والتي على أساسها تظهر متطلباتها الاجتماعية والتطور والبقاء.

 

كما أن للطفل مكوناته الكيميائية والتي لها تفاعلها ضمن سياق النشاط الوظيفي لجسم الطفل، لذا لا بد من فهم الطفل على أساس أن جسمه له نشاط وظيفي بشكل تكاملي وتناسقي وتناغمي، وأن كل عضو له نشاطه الذاتي الموجه للقيام بمهام معينة لم يقم بها أي عضو آخر غيره. 

 

وقد تغلب الأسباب الفسيولوجية وتسود ويكون تأثيرها مباشراً، ويسمى حينئذ الاضطراب النفسي فسيولوجياً أو عضوي المنشأ. 

 

ومن أهم الأسباب الفسيولوجية اضطراب وظائف الاستقبال الحسي و الحواس، وخلل الجهاز العصبي المركزي، وخلل الجهاز العصبي الذاتي، وخلل الجهاز الدوري، وخلل الجهاز التنفسي، وخلل الجهاز الهضمي، وخلل الجهاز البولي والتناسلي، وخلل الجهاز الهيكلي.

 

الأسباب النفسية: 

 

وهي أسباب ذات أصل ومنشأ نفسي تتعلق بالنمو النفسي المضطرب في الطفولة، وعدم إشباع الحاجات الضرورية للفرد، واضطراب العلاقات الشخصية والاجتماعية.

 

وأهم الأسباب النفسية هو الصراع الذي يهدد الشخصية، فتكون فريسة للمرض النفسي. ويتضح الصراع فيما يلي: 

 

• تجنب الواقع ضد مواجهة الواقع

• الاعتماد على الغير ضد الاعتماد على النفس.

• الإحجام والخوف ضد الإقدام والشجاعة والحب ضد الكره ... إلخ. 

 

كما أن الإحباط الذي يعوق الطفل عن إشباع حاجاته الأساسية، والشعور بخيبة الأمل، وتكرار مثل هذا الإحباط يؤدي إلى خيبة الأمل عند الطفل فيما  يريد تحقيقه من أهداف، وذلك لوجود عائق أو ظروف قاهرة أكبر من إراداته تقهر محاولاته للتغلب على العائق سعياً للوصول إلى أهدافه. ويؤدي إلى تحقير الذات والقلق. 

 

كما أن الحرمان سواء أكان حرماناً حيوياً أم نفسياً أم بيئياً، وعدم إشباع الحاجات الأساسية، كالحاجات الحشرية والحسية، والانفعالية، والنفسية، والاجتماعية، ومن حب وحنان الوالدين، كل ذلك يؤدي إلى انعدام الفرصة لتحقيق الدوافع أو انتفائها بعد وجودها. 

 

 

الأسباب البيئية: 

 

وهي الأسباب المحيطة بالفرد في البيئة أو المحيط الاجتماعي، فالبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الفرد وترب فيها، والمؤثرات التي خضع لها في طفولته، تحدد سمات شخصيته سواء أكانت سوية أو غير سوية. فالطفل الرضيع الذي لم يحصل على عطف ودفء وحنان أمه، ويتعرض لحالة الجوع، وعدم شعور بالرضا والراحة، يلجأ إلى التعبير عن ذلك بإحداث حرکات عصبية، وانفعالات حركية. وقد تأخذ مظهراً حركياً وحشوياً من قبل الرضيع. كذلك يظهر عليه عدم الاستقرار والبكاء والصراخ والتقلب، وقد يحصل عنده دفع ما في معدته إلى فوق ملابسه، كما يلاحظ عليه مغص وتقلصات معوية مختلفة. كما أن الصراع والشعور بالقلق والخوف والاضطرابات التي تحدث للطفل مع أشقائه وأصدقائه ومعارفه، بالإضافة إلى بعض الصعوبات التي يواجهها في مدرسته، قد تؤدي إلى أن يأخذ المرض عند الطفل مظهراً جديداً، يتمثل في الانهيار النفسي أو الاضطراب الوظيفي المتمثل بأمراض العصاب المختلفة عند الطفل. 

 

ولكن لا يمكن تعميم ذلك على كل الأطفال، فبعض الأطفال تكون مظاهر المرض عندهم أكثر بروزاً وعمقاً من أطفال آخرين، وهؤلاء يكون مظهر المرض لديهم أقل تأثيراً فيهم، ويكونون أقل استجابة للمرض. 

 

في حين أن النوع الأول قد يتطور المرض لديهم إلى حدّ إصابتهم بإعاقة جسدية أو وظيفية بالنسبة إلى بعض الأعضاء مما يجعلهم في صراع مع محيطهم وعالمهم.

 

تعدد العوامل في تفسير الأمراض النفسية عند الأطفال:

 

إن أحدث اتجاه في تفسير الأمراض النفسية، هو الاتجاه المتعدد العوامل، والذي يرى أن الأمراض النفسية لا ترجع إلى سبب واحد وإنما إلى تضافر وتفاعل مجموعة من العوامل النفسية والجسمية والاجتماعية والتربوية والأسرية والاقتصادية ... إلخ. 

 

ويمكن التمييز بين العوامل المهيئة لحدوث المرض النفسي والتي تشكل خبرات الطفولة السابقة، وما يتعرض له الفرد من ضغوط ومؤثرات تترسب خلال فترة حياته حتى تظهر إلى حيز الوجود بتأثير مجموعة من العوامل المساعدة والتي تكون بمثابة (القشة التي قصمت ظهر البعير).

 

والعوامل المسؤولة عن حدوث المرض النفسي تختلف باختلاف الأفراد من حيث كم ونوع المثير اللازم لحدوث الانهيار. فالشخص المتزن  يختلف فيما يلزمه للاضطراب والمرض عن الشخص القلق المهتز والمتوتر والمستعد للإصابة بالمرض.

 

 

المصدر:

 

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.