تعرف على أسباب فصام الطفولة:
لا يوجد حتى الآن (حسب معرفتنا) أسباب محددة للفصام، وما تم معرفته لا يخرج عن مجرد كونه نظريات فقط، ولكن علماء النفس، وعلماء الطب النفسي أكدوا على احتمال وجود أكثر من سبب للفصام، وفيما يلي نستعرض بعض هذه الأسباب:
الأسباب الوراثية:
يرى علماء الوراثة أن الفصام يكثر عند أسر يكون أحد أفرادها مصاباً بالفصام، ولهذا فإن أقارب المصابين بالفصام يكونون أكثر عرضة للإصابة بالمرض بالمقارنة مع أفراد آخرين من المجتمع.
فالدراسات الحديثة بينت حدوث الفصام عند أحد التوأمين المتماثلين إذا أصيب التوأم الآخر قد يصل إلى حوالى 29.5%، أما بالنسبة إلى التوائم غير المتماثلة، فإن هذا المعدل هو 7% وهذا مؤشر على وجود عامل وراثي في ظهور الفصام.
ووجد أن تقريباً 10% من الأطفال الذين ينحدرون من أب أو أم فصاميين سيظهرون شكلاً من الفصام. وإنه حينما يكون الوالدان فصاميين، فإن هذا الرقم سيرتفع إلى 35% أو 40%. ففصام الطفولة ليس إلا استجابات لضغوط وراثية.
كما أنه كلما ازداد تشابه الأفراد وراثياً، زاد احتمال تعرضهم للفصام، في حالة حدوث الفصام عند أحد الأفراد في الأسرة. ومن الدراسات التي أجريت في هذا الصدد تلك التي أجراها بول ويندر وسيموركيتس في الدنمارك، حيث تم فحص الأطفال اللذين عزلوا بصورة دائمة عن والديهم الحقيقيين في بداية حياتهم (خلال الستة الأشهر الأولى في المتوسط)، وتمت تربية الرضع بوساطة آباء آخرين بالتبني. وكان الهدف هو فحص أثر كل من الطرفين في التنبؤ بمدى تطور السلوك الفصامي، وهما:
1.أن يكون الطفل مولوداً من أب فصامي، ورُبّي بوساطة أب فصامي بديل.
2.أن يكون الطفل مولوداً من أب غير فصامي، ورُبّي بوساطة أب بديل فصامي.
وكان الأفراد المشتركون في كل مجموعة متطابقين في العمر والجنس وعمر التبني والمتغيرات الأخرى. وتم مقابلة الأفراد بعد أن وصلوا إلى سن البلوغ بوساطة فاحصين آخرين متمرنين لا يعرفون تأريخ هؤلاء الأفراد بقصد تشخيصهم. وتم الاستنتاج أن الوراثة هي أفضل منبئ للفصام. فكون الأطفال تربوا بوساطة أب بالتبني يعاني من الفصام، فإن ذلك لم يكن ذا دلالة في زيادة احتمال حدوث الفصام عند الأطفال.
كما يرى العلماء السلوكيون أن الأفراد الفصاميون يرثون استعداداً مسبقاً، وأن المرض يتطور تطوراً كاملاً في الظروف غير المناسبة.
الأسباب العضوية العقلية:
أوضحت الدراسات نتيجة تصوير دماغ الفصاميين وجود عيب في استقلاب دماغ الفصامي. كما بين العلماء في مستشفى (إليزابيث) في واشنطن وجود بطينات متضخمة عند المصابين بالفصام. ويرى عالم الأعصاب البريطاني (تيم كراو) وجود بطينات دماغية متوسعة في أدمغة الفصاميين بالإضافة إلى وجود كتل قشرية دماغية متناقصة. ولم يتضح فيما إذا كان مرد هذه الكتل الدماغية القشرية المتقلصة الحجم عائداً إلى وجود ضمور في خلايا قشر الدماغ، أو أنها كانت في السابق ضعيفة النمو. ومن المؤكد وجود ترابط بين البطينات الدماغية المتضخمة، والقصة السيئة ما قبل الإصابة بالمرض وضعف الاستجابة للدواء.
وقد بين روابط Wyatta وجود فروقات فيزيولوجية في الطريقة التي يعمل بها الدماغ عند الفصاميين، حيث رسم خريطة لجريان الدم في أدمغة الفصاميين أثناء اختبارهم برائز وسکنسن Wisconsin الذي يقيس النشاط في الفص الصدغي الرديء الأداء والنشاط عند هؤلاء. وقد اتضح له وجود سوء وظيفي وانخفاض في جريان الدم في الدماغ عند بعض الفصاميين أثناء قيامهم ببعض الأعمال.
ولهذا تمكن واط من إظهار العلاقة القائمة بين التفكير المجرد والقصور الوظيفي في جريان الدم في الدماغ. فالفصام يحدث نتيجة الفشل في تحقيق انسجام مستقر بين الأنظمة المعرفية والإدراكية.
الأسباب الكيميائية:
دلت التجارب أن إنتاج الدوبامين Dopamine يكون عالياً جداً عند مرضیالفصام حيث أن عقار ميثيل فينيديت Methyl phenidate يساعد على إطلاق الدوبامين في نسيج المخ ويعمل على زيادة تكرار حدة الأعراض الفصامية. فالمضادات الناقلة العصبية التي تحاصر المواد الناقلة للسيالةالعصبية المنافسة تتجزأ مسببة ارتفاع الدوبامين الدماغي. ومن المحتمل أيضاً أن مادة كولبریت Colprit تعكر عمل جهاز التغذية الراجعة، فيفشل هذا الأخير بالإيعاز إلى نورونات الدوبامين بالتوقف عن إنتاجه عندما تكون مستقبلات الدوبامين العصبية مليئة به.
ولهذا فإن مركبات الأمفيتامين التي تفرز الدوبامين يمكنها بالجرعات الكبيرة أن تشكل أعراض ذهانية لدى الأسوياء، كما أن مضادات الذهان التي تعد مثبطات لنشاط الدوبامين تقلل من الأعراض الذهانية.
الأسباب البيئية:
للعوامل البيئية دور أساسي في حدوث مرض الفصام عند الأطفال، فالفصام يكثر في الطبقات الفقيرة ذات الإمكانات المحدودة. كما لوحظ أن الفصاميين المتدهورين ينحدرون إلى طبقات أقل في المستوى من مستوى طبقتهم الأصلية، بسبب تدهورهم وسوء حالتهم.
كما يكثر الفصام عند الأطفال الذين تكون تعليمات والديهم متضاربة، حيث يصدر أحد الوالدين أمراً للطفل ويقصد به عکسه (افعل، لا تفعل) مما يربك الطفل ويعكس عدم وضوح التفكير المنقول إليه.
كما أن سيطرة أحد الوالدين في أسلوب التربية، وانعزال الآخر يكون ما يسمى بالطلاق العاطفي بين الوالدين، الأمر الذي يشوه هوية الطفل ويهيئه لمرض الفصام. كما أن العلاقة غير المتكافئة بين الوالدين (كأن يكون أحد الوالدين متسلطاً والآخر ليناً) يؤدي إلى تفكك شخصية الطفل ويهيئه لمرض الفصام. فالأطفال يكونون في سن صغيرة جداً عبارة عن سجلات حساسة جداً تلتقط كل ما يجري بين الوالدين من علاقات. كما أن الشدات المحيطة (Stress) وإدراك الفرد لها وشعوره بخطرها يؤدي إلى زيادة إفراز الأدرينالين، ويحدث خللاً في المنتجات الكيميائية في الدماغ، مما ينتج مواد مولدة للفصام.
الأسباب النفسية:
يحدث الفصام أحياناً بسبب الصراع النفسي Conflict بين رغبات الفرد الأولية اللاشعورية والتزاماته الاجتماعية. وإذا استمر هذا الصراع فترة طويلة عند الفرد ولم يجد حلاً اختل التفكير والسلوك والذي يؤدي أحياناً إلى الانطواء والفصام.
كما أن ضعف الأنا الذي قد يكون أحياناً فطرياً أو مكتسبأ نتيجة نقص الأمومة والذي يؤدي إلى نقص التمييز بين الذات والموضوع، ونقص اتساق الوظائف النفسية وتكاملها، وبدائية الدفاعات والصراع المتولد عن العدوان، مما يؤدي إلى نقص المقاومة لكل أنواع الضغوط وفقد الاتصال بالواقع.
وحسب وجهة نظر أصحاب التحليل النفسي، فإن الفصام ليس إلأ نكوص إلى المرحلة الفمية إلى فترة ما قبل تمييز الأنا عن الهو، حيث أن الفصامي يفتقد الأنا التي يختبر بها الواقع والاتصال به وينهمك في ذاته، ويعزى النكوص إلى القلق الحاد الذي يعود إلى الدوافع العدوانية أو الجنسية اللاشعورية الحادة.
كما أن انعدام الثقة بالآخرين والحساسية الشديدة لعدم قبولهم له تتولد عن اضطراب العلاقات بين الشخص والآخرين والتي تعود إلى مراحل نمو الطفل الأولى، مما يجعله يميل إلى الانسحاب للحفاظ على أمنه الداخلي، واعتباره لذاته مما يزيد من انطوائه وعزلته ورفضه للأخرين.
كما تری (میلاني كلاين) أن الأشهر الأولى من حياة الطفل وما ينشأ عنها من مشاعر إيجابية أو سلبية نحو الذات والآخرين هي أساس الفصام وتكوين دفاعات مرضية تستمر حتى في الكبر.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.