لماذا علينا معالجة ما يسمى بفرط النشاط أو النشاط الزائد؟
يعرف النشاط الزائد بأنه حرکات جسمية تفوق الحد الطبيعي أو المقبول. إنه متلازمة مكونة من مجموعة اضطرابات سلوكية تنشأ نتيجة أسباب متعددة نفسية وعضوية معاً.
الآثار المترتبة على النشاط الزائد عند الطفل:
هناك الكثير من الآثار السيئة التي تترتب على النشاط الزائد عند الطفل، فقد نجد عند الطفل تقديراً منحطاً لذاته، وكذلك فشلاً في التحصيل الدراسي، وسلوكاً منحرفاً جانحاً. بالإضافة إلى العزلة الاجتماعية، وسوء الانسجام داخل الأسرة، وكثرة الحوادث والإصابات التي يتعرض لها. ومن نتائج وعقابيل النشاط الزائد الشديد في الطفولة ما يلي:
• تقدير منحط لاعتبار الذات.
• ردود فعل سيئة من جانب الآخرين.
• سلوك منحرف جائح.
• رعونة واندفاعية.
• هوجاء مستمرة.
• ضعف في التعلم الاجتماعية.
• عزلة اجتماعية.
• سوء انسجام في الأسرة.
• سلوك تخريبي أو ضعف في التعلم الاجتماعي.
• لامبالاة وطيش.
• حوادث وإصابات.
• مشكلات في التعلم وتركيز الانتباه.
• فشل في التحصيل الدراسي.
• صعوبات في التوظيف (في سن الرشد).
طرق الوقاية والعلاج:
يكون النشاط الزائد عند الطفل سوياً عندما يكون محصوراً في موقف معين من المواقف، وعندما يكون حاصل الذكاء عادياً. ولكن هذا النشاط يكون له تأثير في الشخصية دون أن تصل إلى حد الاضطراب النفسي. ولكن عندما يكون النشاط الزائد معمماً في كل المواقف وشديداً، وحاصل الذكاء منخفضاً، وفي العائلة ما يشير إلى وجود الاضطراب في العلاقات الأسرية، حينئذ يمكن أن تنبیء هذه المؤشرات بوجود الاضطراب النفسي عندما يبلغ الطفل سن المراهقة والرشد.
وعلى أية حال يمكن اتخاذ بعض التدابير الاحتياطية - الوقائية والعلاجية في حالات وجود هذه الاضطرابات السلوكية والتي من شأنها التقليل منها أو علاجها في حالة حدوثها. وأهم هذه التدابير ما يلي:
تهيئة بيئة صحية مناسبة للأم الحامل:
فقد أوضحت الدراسات أن الحالة الجسمية والعقلية للأم الحامل لها تأثير مباشر في مستوى نشاط الطفل وقدرته على التركيز .
كما إن إصابة الأم بالأمراض في أثناء الحمل أو تعاطيها العقاقير، أو تعرضها للقلق والتوتر الشديدين ولفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى النشاط الزائد عند الطفل في السنوات الأولى من عمره.
ولهذا لا بد من توفير الغذاء المناسب للأم الحامل، وإبعادها عن القلق والتوتر ومنعها من تناول العقاقير دون استشارة طبية. بالإضافة إلى ضرورة إبعاد الطفل عن الإثارات غير المناسبة (كالصوت المرتفع، والشجار المستمر، والخبرات غير الصحية الخ)، وتجنب النقد المستمر للطفل والعمل على تقبله وتحمل ما يصدر عنه من حركات طبيعية من قبل الأهل.
ضرورة تعليم الطفل نشاطات هادفة:
على الآباء والمربين ضرورة تعليم الطفل نشاطات هادفة، من خلال التعزيز الإيجابي للسلوك البناء الصحيح، والثناء على أي إنجاز يحققه الطفل في سنواته الأولى مما من شأنه أن يقوي السلوك الصحيح الفعال. بالإضافة إلى ذلك فإن الطفل يتعلم من والديه وأخوته الكبار هذه النشاطات البناءة الفعالة عن طريق القدوة. إذ أن مستوى نشاط الأهل ومدی فعالية نشاطهم يمثل نموذجاً يحتذى الطفل في سلوكه من خلال الملاحظة لسلوك الأهل.
كما أنه يمكن للوالدين توضيح كيفية استخدام اللغة كموجه للسلوك الهادف، مثلاً: (يجب أن انتهي من هذا وبعد ذلك سأستريح)، كما تستخدم اللغة أيضاً كأداة للمتابعة الذاتية مثلاً: هذه لم يتم انهاؤها بشكل مناسب، لذا علي أن أصلحها.
التعزيز اللفظي للسلوك المناسب:
عندما يقوم الطفل بأي سلوك هادف لابد للوالدين من إثابته بشكل فعال ومناسب وبسرعة، مثلاً: (رائع لقد قمت بهذا النشاط على خير ما يرام).
وعندما ينجز الطفل الأعمال الموكلة إليه لا بد للوالدين أن يظهرا الارتياح والسرور لهذا الإنجاز. ولهذا يمكن للوالدين تحديد الأهداف اليومية للطفل، وامتداح أي جهد يبذله لتحقيق هذه الأهداف، مثلا: لقد حاولت ما بوسعك أن تكون هادئاً هذا المساء، ويوضحا للطفل مدى التحسن الذي أظهره فيما يتعلق بالهدوء والنشاط الهادف، ولا مانع من أن يعد الوالدان الطفل بتقديم المكافآت في حالة تكرار السلوك الهادف والهاديء والمرغوب فيه، ولا مانع للوالدين بتسجيل تكرار السلوك الهاديء الذي يظهر عند الطفل ويعززان السلوك بعد كل عدد معين من هذه التكرارات، بالإضافة إلى خسارة معينة نتيجة ظهور النشاط الزائد غير الهادف. ويمكن لذلك بالتعاون بين البيت والمدرسة، واستخدام نظام النقاط مع الأطفال ذوي النشاط الزائد وتقديم التعزيز بعد حصول الطفل على عدد معين من هذه النقاط، مثلاً:
السلوك: ما يحصل عليه الطفل:
- لا يترك مقعده دون إذن. - نقطة واحدة لكل عشر دقائق.
- يكمل المهمات. - نقطتان عن كل واجب قام بأدائه أو عمل أنهاه دون مساعدة.
أن تكون التعليمات المقدمة للطفل واضحه:
عند تقديم التعليمات للطفل من قبل الأهل يقوم بعمل ما لا بد أن تكون هذه التعليمات واضحة ليعرف الطفل ما هو المطلوب منه بالضبط، بالإضافة إلى وصف السلوك المرغوب بشكل واضح وبهدوء مثلاً:
(إن عدم الاستمرار في هذا العمل قد يعوق إنجازه في الوقت المحدد، أو عندما تشعر بالتوتر تنفس بعمق، وانظر من النافذة، فسوف تهدأ ثانيةً).
ولهذا فإن معرفة الطفل ما يريده الوالدان، وإمكانية التنبؤ بذلك يشعر الطفل بالأمن والهدوء. ولذلك يجب على الوالدين الاتفاق مبدئياً على أن تكون استجابتهما للطفل متوافقة. وعندها سيتعلم الطفل أن الاستجابات الموجبة من كلا الأبوين سوف تتبع السلوك الهادف غير العشوائي.
كما أنه من الضروري تهيئة الطفل قبل الإقدام على العمل بأسلوب جيد يساعده على التركيز على نشاط محدد، مثلاً قبل الدخول إلى محل تجاري يمكن للأب أن يقول لابنه:
(عليك أن تبقى معي، وسوف تلاحظ بأن هناك ازدحاماً وضجيجاً، ولكن هذا لا يعنيك عليك أن تبقى
هادئاً، ولا تلمس أو تحمل أي شيء قبل شرائه ... إلخ.).
بالإضافة إلى ذلك لا بد من تقليل المشتتات الموجودة في غرفة الطفل، وأن نحدد أماكن الأشياء في غرفته (وخاصة الصغار منهم)، ووضع أسماء على الأشياء الموجودة في الغرفة.
ضبط السلوك من خلال المراقبة الذاتية:
إن حديث الطفل مع نفسه من الطرق الفعالة في السيطرة على النشاط الزائد، فبدلاً من أن يتحرك الطفل بشكل غير هادف يمكن أن يخبر نفسه ماذا يجب أن يفعل بصوت مرتفع أولاً، ثم بصمت فيما بعد كأن يقول لنفسه:
(أريد أن أنهي هذا العمل، لذا يجب علي أن أنتبه، وسوف ألعب فيما بعد). ويمكن تذكيره قبل القيام بالعمل بالقول:
(وقف وفکر ، أو ما الذي كان علي أن أفعله ... إلخ).
العلاج الدوائي:
يكون الطفل الزائد النشاط أحياناً ضعيف التركيز في الانتباه ويعاني من شرود في الذهن مما يجعله قليل النجاح في أي عمل يكلف به، وتكون الجهود العلاجية بالتعليم قليلة النجاح. ولهذا لا بد من العلاج بالأدوية.
فقد أثبتت الدراسات أن أفضل دواء لعلاج النشاط الزائد عند الأطفال هو ميثيفينيدات Methyphenidate يومياً، أو أي دواء مائل له من الأدوية المنشطة للجملة العصبية مثل، بيمولين Pemoline أو دكسامفيتامين Dexamphetamine. فقد أثبتت التجارب أن المعالجة التجريبية بمثل هذه المنشطات لمدة 6-12 اسبوعاً أظهرت تحسناً واضحاً على سلوك المتعالجين سواء في مستوى الإدراك والسيطرة الحركية أو في درجة تركيز الانتباه في الأعمال المتكررة. ولكن هناك محاذير من استخدام المنشطات العصبية وآثار جانبية لها ومن ضمنها:
• ضعف القابلية للطعام.
• والأرق.
• واضطرابات النوم.
• عدم الاستقرار النفسي.
كما أن المقادير العالية من المنشطات العصبية الضابطة للسلوك والمحسنة للأداء قد تحدث خللاً في تركيز الانتباه.
أما وصف المهدئات النفسية من صنف البنزوديازبين Benzodiazepine، فلا بد من تجنيه؛ نظراً لعدم فائدتها عند معظم الأطفال ذوي النشاط الزائد.
أما المهدئات القوية مثل: الكلوربرومازين، والهالوپريدول Haloperidol فلها تأثير جيد في ضبط النشاط الزائد عندما تفشل المعالجة بالمنشطات العصبية، وغالباً تكون المقادير الدوائية القليلة هي الأفضل.
ولكن مهما كانت فعالية المعالجة الدوائية، فلا بد من استخدام العلاج النفسي الأسري في حالة اضطراب النشاط السلوكي عند الطفل.
المصادر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.