ضعف الشهية للطعام عند الأطفال:
مفهوم المشكلة:
إن عادات الأكل كغيرها من العادات تحتاج إلى تدريب صحيح في الوقت المناسب، وهي من أولى العادات التي تتطلب الانتباه والرعاية من قبل الوالدين. ذلك أن الكثير من العادات السيئة التي يكتسبها الفرد في طفولته تكون وثيقة الصلة بعاداته في المراهقة، وخاصة في عادات الأكل والنوم والإخراج. ويمكن أن تكون أولى الصعوبات التي تواجه الأم صعوبة مزدوجة هي: تقديم الغذاء الملائم للطفل حديث الولادة، وتكوين عادات حسنة لتناول هذا الغذاء في الوقت المناسب.
لهذا لا بد للوالدين أن يعيرا أهمية كبيرة، وفهماً دقيقاً في كيفية التعامل مع الطفل في أثناء وجبات الطعام اليومية، إذ لا يمكن ضمان الصحة النفسية والبدنية للطفل إذا كان هناك شذوذ في تناول الطعام، وردود انفعالية من قبل الوالدين سواء بالكلام أو بالفعل، أو إسراف في رعاية الطفل.
فكثيراً ما تجذب انفعالات الآباء وعنايتهم انتباه الطفل، وتبعث عنده شعور بالقوة، وتوحي له أن ساعة تناول الطعام فرصة مناسبة لاجتذاب الانتباه إليه والاهتمام بأمره، وهذا ما يغيب عن الأم تماماً. فبسلوكه هذا يجعل الأم تجلس لإطعامه مثلاً أو تقص عليه بعض القصص، أو تغريه وترشوه ليأكل، أو تهدده، وأحياناً ما تدمع عيناها حنقاً وغضباً. وهذا ما يبعث عند الطفل الرضا والراحة دون أن يكون عارفاً بالعوامل التي تدفعه إلى سلوكه هذا.
وهذه الظروف التي تتعلق بإطعام الطفل وما تجره من مشاكل تكون أحياناً عامة، ولا تخلو منها طبقة اجتماعية. ولكنها أكثر ظهوراً عند أبناء المترفين الأثرياء، خاصة عند من يكون أمر تربية أبنائهم موكلاً إلى المربيات.
ونود التأكيد أنه من الصعب وضع معايير دقيقة لغذاء الطفل، إذ أنه ليس من الضروري أن يكون لكل الأطفال من عمر واحد وزن واحد، ولن ينجم أي ضرر إذا أخفقنا فيها نسميها (معايير الطعام) أو إذا رفض الأطفال أحياناً وجبة أو اثنتين من وجبات الطعام.
من الطبيعي أن يثير ضعف شهية الطفل للطعام انزعاج الوالدين وقلقهما، ويحوز على جانب كبير من اهتمامها. وعند بحث هذه المشكلة لا بد من معرفة فيها إذا كان ضعف الشهية للطعام دائماً أم مؤقتاً.
فإذا كان دائماً، فإن ذلك يعزي إلى عوامل مزمنة، أما إذا كان مؤقتاً، فذلك يعود إلى عوامل طارئة. كما يجب معرفة فيما إذا كان فقدان الشهية للطعام فجائياً أم تدريجياً. إذ أن الفقدان الفجائي للشهية غالباً ما يكون مصحوباً بأعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة أو التقزز أو الغضب أو الحزن ... إلخ.
كما يجب معرفة فيما إذا كان ضعف الشهية عاماً يتناول جميع المأكولات، أم خاصاً بتناول البعض دون الآخر. وكذلك معرفة فيما إذا كان ضعف الشهية للطعام يظهر في جميع المناسبات أو في مناسبات معينة كالأكل المنفرد، أو الأكل على مائدة غير منوعة الأصناف وما إلى ذلك.
يظهر ضعف الشهية للطعام على شكل تأفف، أو البطء في تناول الطعام أو انعدام الرغبة فيه.
الأسباب:
هناك أسباب عديدة تكمن وراء ضعف الشهية للطعام منها:
أ- أسباب عضوية:
هناك صلة وثيقة بين النشاط الغددي العام، وتمثيل الطعام والقابلية لأخذه. فالصلة وثيقة بين الحياة الجسمية والحياة النفسية للطفل. كما أن إصابة الطفل بأمراض الفم والأسنان والجهاز الهضمي يمكن أن تسبب نفور الطفل من الطعام أو تضعف شهيته له. وهناك فوق هذا بعض الخصائص الجسمية العامة التي تصاحب عادة فقدان أو ضعف الشهية للطعام، فصاحب الجسم الطويل الرفيع يكون قليل الشهية للطعام بخلاف صاحب الجسم الواسع الثخين.
وقد وجد أحد الباحثين أن 82% من الأطفال قليلي الشهية للطعام من النوع الرفيع الطويل. ولهذا فإن هذه الأسباب تستدعي على أية حال فحصها جيداً، وتحديد الدور الذي تلعبه.
ب- أسباب نفسية:
تتأثر القناة الهضمية المعوية تأثراً شديداً ومباشراً بالانفعالات، وقد أثبتت البحوث الفسيولوجية أن جهاز الهضم لا يقوم بأداء عمله أو يؤديه بشكل ناقص في أثناء الانفعالات الشديدة. فالعصارة الهضمية يقل إفرازها أو يقف. كما تتعطل العمليات اللازمة للهضم في أثناء الانفعالات. وقد وجد أن الكثير من الأمراض المعدية والمعوية تكون نفسية المنشأ. أي ناشئة عن حياة انفعالية مضطربة، مثل أمراض القرحة المعدية، والتهاب القولون. كما أن الطفل يفقد شهيته للطعام في أثناء ثورات الغضب والحزن. لذا لا بد للوالدين من تأجيل وجبة طعام الطفل إذا كان في حالة انفعالية شديدة حتى يهدأ.
كذلك فقد يكون فقدان الشهية للطعام أو ضعفها عند الطفل أحياناً حيلة شعورية أو لا شعورية لعقاب الوالدين أو لعقاب الذات.
فإذا أذنب الطفل، فقد يعاقب نفسه بالإقلاع عن الطعام. كما أنه إذا عوقب من والديه يقلع أيضاً عن الطعام عقاباً لوالديه ولنفسه في الوقت نفسه.
وقد يكون فقدان الشهية للطعام أو ضعفها وسيلة لجذب انتباه الآخرين له و الوالدين. فهذا الضعف للشهية يثير حوله اهتماما خاصاً من والديه لا يحصل عليه عادة دون هذا الإجراء. كما أنه وسيلة للسيطرة عليها.
ج- أسباب اجتماعية:
تأخذ عملية إطعام الطفل طابعاً مقدساً عند بعض الأسر في الطبقات الوسطى والعليا، حيث يرافق إطعام الطفل أحياناً بتصفيق وتهليل، وسرد قصص مختلفة، ورشوة الطفل باللعب ومنحه بعض الجوائز لإغرائه على الأكل مما يؤدي في النتيجة إلى إعراض الطفل عن الطعام وتقززه ونفوره منه.
وبنتيجة اهتمام الأسرة المبالغ فيه في إطعام الطفل، تزداد المشكلة تعقيداً خاصة عندما تصبح مشكلة مزمنة وأكثر حدة بسبب الصراع والتوتر الناجم عن ذلك. فجو الأسرة المتوتر لا يساعد على الأكل بشكل مناسب، كما تصبح رغبة الطفل في إنهاء الوجبة بأي شكل هو الحل الوحيد عند الطفل. وقد يكون الآباء الذين يمثلون نموذجاً بالنسبة إلى الطفل هم السبب المباشر لسلوك أبنائهم. فإذا كان الأب يصرح بما يحب وما لايحب من الطعام وكذلك تقوم الأم بالأسلوب نفسه فإن ذلك ينعكس على الطفل، حيث يظهر في أكله أشكالاً من التأفف والمفاضلة ويكون هذا قائماً بأكمله على التقليد. كما أن افتقار الأطفال إلى التعليم المناسب بشأن عادات الطعام وعدم التعزيز في حالة الأكل المناسب من الأسباب التي تسبب الإعراض عن الطعام.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.