القائمة الرئيسية

الصفحات



 أساليب التوافق النفسي والاجتماعي عند الأطفال: 

 

يعرف التوافق النفسي على أنه النشاط الذي يقوم به الكائن الحي ويؤدي إلى إشباع الدوافع، وبهذا  المعنى يكون التوافق عبارة عن مجموعة ردود الفعل التي يعدل بها الفرد كيانه النفسي أو سلوکه لیستجیب الشروط محيطية معينة. فهو محور النمو النفسي والاجتماعي، وهو من أهم مطالبالنمو العقلي والمعرفي والاجتماعي ودليل على الصحة النفسية للفرد.

 

 

ومن أجل التوافق مع مواقف الحياة التي تواجه الأطفال، يميلون الأطفال إلى استخدام أساليب توافقية مختلفة، وقد يواجهون بالإحباط الذي يؤدي إلى التوتر النفسي، مما يؤدي أحياناً إلى اتباع أساليب توافقية غير صحيحة (شاذة) تختلف باختلاف الأشخاص والظروف المحيطة. 

 

كما أن الصراع الذي ينشأ لدى الطفل في مرحلة الطفولة والذي يكتسبه عادة من والديه أو من يقوم مقامها في تربيته وتنشئته الاجتماعية يعتبر الأساس في سوء التوافق النفسي لدى الطفل. ولكن يجب أن لا يفهم من ذلك أن الوالدين يعلمان طفلهما هذا الصراع عن وعي منهما، بل إن الطرقالخاطئة التي يتبعها الوالدان في أثناء معاملة ولدهما هي التي ينشأ عنها هذا الصراع اللاشعوري عند الطفل.

 

والأساليب التوافقية التي يستخدمها الأطفال قد تكون بالمواجهة المباشرة للمشكلات التي تعترضهم. وقد تكون أساليب غير مباشرة، أي يتخذ الفرد وسائل بديلة تكون ذات قيمة إيجابية، وقد تكون أساليب غير مباشرة يتخذ الفرد وسائل بديلة تكون ذات قيمة سلبية. 

 

ففي مرحلة الطفولة نجد أن الطفل الأول يتخذ مجموعة من الأساليب للتوافق عند میلاد طفل جديد. فمن المعروف أن الطفل الأول يكون مرکز اهتمام الأسرة، وفي حالة مُرضية من النشاط قبل ميلاد الطفل الجديد، ولكن بعد هذا الميلاد يفقد الطفل الأول مركز الاهتمام، ويواجه مشاكل أخرى، ولذلك يلجأ إلى اختيار أحد الأساليب التالية للتوافق مع الموقف الجديد، وهذه الأساليب هي:

 

1. قد يلجأ إلى أسلوب المواجهة المباشرة الإيجابي: حيث يساعد الطفل الأول أخاه (الطفل الثاني) أو يشاركه في ألعابه، وهذا ما يكسبه تقديراً اجتماعياً من قبل الوالدين. 

 

2.وقد يلجأ إلى القيام بنشاطات بديلة إيجابية: وفيها يقوم الطفل بقراءة القصص، أو اللعب مع رفاقه، وهذا الأسلوب أكثر احتمالاً من أسلوب المواجهة المباشرة. 

 

3.وقد يلجأ إلى نشاطات بديلة ذات قيمة سلبية: مثل الشقاوة، والعدوان، والتخريب، أو الهروب من المنزل. 

 

4. وقد يلجأ إلى أسلوب المرض (أو التمارض): عندما لا يجد الطفل الأول نفعاً من الأساليب الثلاثة السابقة ولم ينجم عنها إرضاء له، فإنه يلجأ إلى هذا الأسلوب لاستعادة الانتباه المفقود، وليثبت لوالديه بأنه لا زال موجوداً، ويحتاج إلى الاهتمام. 

 

5.أثر الأساليب التوافقية في شخصية الطفل: يكون الطفل في حالة استخدام أسلوب المواجهة المباشرة للمشكلة في حالة نشاط مستمر، حيث يعتبر أن رعايته لأخيه الأصغر واجبة، أو أن ذهابه إلى المدرسة ضروري، وهذا ما يجعله يتغلب على الصعوبة التي واجهته بشكل سليم. فالتوافق الناجح والسوي يؤدي إلى بناء الأنا وازدیاد شعور الطفل بأهميته، ويقوي شخصيته، ويجعله أكثر قدرة واستعداداً لمواجهة مشكلات مستقبلية ج، كما أن سلوكه أكثر تكاملاً مما كان عليه قبل مواجهة المشكلة، أي أن هذا الأسلوب يسهل عملية النمو ویرقی به لاستخدام أساليب أكثر ملاءمةلمواجهة مشكلات مستقبلية أكثر تعقيداً.

 

أما في حالة استخدام الأسلوب البديل الإيجابي، فقد يكون توافقاً منطقياً أكثر من المواجهة المباشرة، فبالرغم من أن اختيار سلوك بديل قد ينتج عنه شعور بالفشل بالنسبة إلى العائق أو المشكلة التي تجنبها الطفل، فإنه من المحتمل أن يجعله يكرس طاقة أكثر غني في السلوك البديل، وأن الشعور بالفشل في إحدى المحاولات قد يكون دافعاً للفرد في بذله طاقة أكثر في مجال آخر. 

 

أما استخدام الأسلوب البديل السلبي في التوافق فهو يؤدي إلى إضعاف قدرة الفرد على مواجهة المشكلة ويلجأ إلى المراوغة والحيلة والتملص، وهذا ما يضعف من شخصية الطفل وقد يعمم هذا الأسلوب في معالجة مشكلات المستقبل ويؤدي به إلى التناقض ويصبح السلوك غير متكامل.

 

أما الحالات الأكثر تطرفاً، فهي استخدام الطفل سلوكات بديلة سلبية شاذة. فهو يحاول أن يخفف من حدة التوتر الناشىء عن المشكلات التي يواجهها في المجتمع بالانصراف عن المشكلة الأصلية والعيش في حياة انفعالية داخلية في عالم من الوهم والخيال، إنه أسلوب نكوصي في التوافق.

 

فالطفل المنحرف لا يعالج العوامل الأصلية التي تسبب المشكلة، بل يعالج مظاهرها فقط، والتوافق يبتدىء مبكراً جداً لدى الفرد ولا ينتهي إلا بانتهاء الحياة.

 

واستناداً إلى ذلك، فإن الأسلوب التوافقي الذي كان قد استخدمه الفرد في حياته يميل إلى الثبات في شخصيته ومن السهل تكراره عند معالجة المشكلات نفسها في المستقبل. 

 

والحقيقة فإنه لا يوجد شخص يستخدم أسلوب المواجهة المباشرة، أو أسلوباً توافقياً بديلاً إيجابياً في كل وقت، فكل شخص يستخدم أسلوب المراوغة والتقهقر احياناً، ولكن الشخصية القوية تميل إلى استخدام النوعين الأولين المعتادین، بينما ضعيف الشخصية يستخدم النوعين الآخرين في معالجة مشكلات الحياة، مما يوقعه في الاضطراب النفسي والتوتر والقلق، ويؤدي به إلى اللجوء إلى حيل الدفاع النفسي والتي تعتبر أساليب لاشعورية من جانب الفرد، الهدف منها تشويه الحقيقة للتخلص من التوتر والقلق الناتجين عن الاحباطات وهدفها وقاية الذات والدفاع عنها والاحتفاظ بها، وهذا هو أقصى درجات سوء التوافق النفسي والاجتماعي. 

 

 

المصدر

 

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.