دور الأسرة في التوافق النفسي والاجتماعي للأطفال:
التوافق بمعناه النفسي يتضمن السعادة مع النفس والرضا عنها، وإشباع الدوافع والحاجات الأولية والثانوية، بالإضافة إلى التوافق لمطالب النمو في مراحله المتتابعة.
أما المعنى الاجتماعي للتوافق، فهو ذلك التوافق الذي يعبر عنه بعلاقة الفرد المتجانسة مع بيئته الاجتماعية والسعادة مع الأخرين، ومسايرة المعايير الاجتماعية والامتثال لقواعد الضبط الاجتماعي، وتقبل التغيير الاجتماعي، والتفاعل الاجتماعي السليم والعمل لخير الجماعة والسعادة الزوجية مما يؤدي إلى تحقيق الصحة الاجتماعية.
تعتبر بيئة الطفل المحيطة والتي تشكل الأسرة نواتها الأولى - بما في ذلك أسلوب تربية الوالدين - عوامل هامة في تشكيل شخصيته، وتكوين اتجاهاته، ومیوله، ونظرته للحياة. وهذا يحتم علينا كآباء أن نهيىء للطفل المناخ المناسب منذ ولادته. ونتبع أفضل السبل التي تهيء له المرور عبر مراحل الطفولة إلى المراهقة فالرشد بأمان. ولذلك لا بد من معرفة خصائص نمو الطفل في جميع نواحي شخصيته (الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية) وأن نعمل على تنميتها بالطرق السليمة.
فالطفل في السنوات الأولى من حياته يتعلم الكثير من الخبرات التي تساعده على النمو السليم. فإذا توافر للطفل جو عائلي مليء بالحب والعطف والطمأنينة استطاع أن ينمو نمواً سليماً وأن يتوافق مع نفسه، ومع المجتمع الذي يعيش فيه. أما إذا ساد الجو العائلي الخصام والقلق وتعددت مواقف الحرمان وحدتها بالنسبة إلى الطفل أدى به إلى الاضطراب والصراع وينعكس آثار ذلك على شخصيته في المستقبل.
فما يكتسبه الطفل في الطفولة المبكرة من عادات واتجاهات يميل إلى الثبات النسبي ومن الصعب تغييره فيما بعد. فقد أكدت الدراسات التبعية للأطفال أن ما يكتسبه الطفل في مرحلة الطفولة من أسلوب في الحياة ومن مفهوم للذات تبقى آثاره مستمرة في حياة الفرد وفي الأساليب المختلفة التي يتعامل بها مع الناس. ولهذا فإن فرويد، يرد سلوك الشخص الراشد إلى مرحلة الطفولة المبكرة. ويرى أصحاب مدرسة التحليل النفسي أن السمات الرئيسية للشخصية توضع أصولها في الطفولة.
والبحوث الإكلينيكية النفسية تشير إلى أن البيوت التي يسودها الود والتفاهم، وتقوم علاقاتها على الثقة والاحترام والتقدير، ويقوم أسلوب تربية الوالدين على التوازن بين الحرية والضبط هي بيوت تخرج أشخاصاً أسوياء. بعكس البيوت التي تغرس في نفوس أبنائها الكراهية والحقدوالخوف فإنها تخرج للمجتمع شخصيات منحرفة وجانحة وعصابية. ويرى الباحثون أن أبشع العوامل وأكثرها خطورة وتدميراً هي العوامل التي تدور حول حياة الأسرة في الطفولة.
أهمية شعور الطفل بالأمن في توافقه النفسي والاجتماعي:
يحتاج الطفل إلى الشعور بالأمن حاجة شديدة، ويري و أوسجينان، أن الطفل إذا كان في وسط مألوف يحس فيه بالأمن ويشعر بوجود شخص راشد مألوف لديه فإن سلوكه يتسم بالاتزان. وهذا ما أكدته (آنا فروید)، عندما قصفت مباني لندن عام 1940 بالقنابل فإن الأطفال كانوا يستمرون في اللعب أو النوم إذا بقيت أمهاتهم على قرب منهم، أما الأطفال الذين أجلوا إلى الريف بعيدين عن أمهاتهم بعيداً عن القنابل، فقد أظهروا كثيراً من القلق، رغم المميزات الشخصية والتربوية التي كانت تمتاز بها المشرفات عليهم ممن كن يقمن مقام الأمهات الحقيقيات.
وللامن عناصر أساسية منها:
• المحبة
• القبول
• الاستقرار
فشعور الطفل بمحبة من يحيطون به، وحب أمه له شرطان ضروريان لتوافقه النفسي ليس من الناحية الانفعالية فحسب، بل وفي الجانب البيولوجي والفكري أيضاً. وقد أثبتت الدراسات أن الطفل المحبوب سعيد ومتوافق نفسياً واجتماعياً. ولكن هذا الحب يجب أن يكون حقيقياً، صادراً من القلبوليس مزيفاً.
ولكن الحب لا يؤدي مفعوله في إشعار الطفل بالأمن إلا إذا أحس الطفل بأنه مقبول في عائلته، ويتجلى هذا القبول بشعور الطفل بأن له مكانة في المنزل، وأن والديه يضحيان من أجل سعادته مما يشعر الطفل بأنه مرغوب فيه، وأن هناك روابط قوية تربطه بأسرته.
كما أن من شروط الأمن والتوافق النفسي والاجتماعي، استقرار الوسط العائلي. فإذا كانت البيئة العائلية ثابتة ترحب به، والأساليب التي يتعامل بها مستقرة ساعد ذلك على نموه نمواً سليماً، وتكيفه مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه بشكل مناسب.
أما إذا كانت البيئة العائلية التي يعيش فيها الطفل مضطربة، وكان هناك اختلاف في الاتجاهات الوالدية في تنشئة الطفل، أدى ذلك إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي لدى الطفل وزعزعة الكيان النفسي لديه.
كما أن ثبات واستقرار العلاقات المتبادلة بين الوالدين (كزوجين) من العوامل التي تساعد الطفل على الأمن النفسي وتوافقه. فالاتزان العائلي يترتب عليه غالباً إعطاء الطفل ثقة في نفسه وثقة في العالم الذي يتعامل معه بعد ذلك.
وبدراسة ما يزيد عن (300) حالة من حالات الأحداث الجانحين تبين أن 70% تقريباً من الحالات يرجع فيها الجنوح والتشرد إلى انهيار صرح الأسرة. وهذا ما يدل على أن تماسك كيان الأسرة له أثره المباشر في التوافق النفسي والاجتماعي للأبناء.
كذلك الحال، فإن استقرار الطفل في المسكن والمدرسة التي يحافظ من خلالها على أصدقائه وعلاقاته مع الآخرين يوفر الأمن والأمان للطفل. فدرجة الأمن التي يحس بها الطفل ذات أثر كبير في رشده وتوافقه أو عدم توافقه نفسياً واجتماعياً.
ولهذا فإن البيت المتماسك المنسجم يوفر للطفل الحب والأمن والتقبل والطمأنينة ويثير فيه الثقة بالنفس، ويدربه على الاستقلال، وتحمل المسؤوليات والتبعات الناضجة، ويوفر له الإشباع المتزن المعقول.
كما أن المدرسة التي تعد الفرد للحياة بما توفره من ظروف تعمل على تنبيه إمكاناته وتنمية فاعليته مع المجتمع بالإضافة إلى المجتمع وما فيه من تقاليد وعادات ومثل عليا ونظم اجتماعية مختلفة تتيح الفرص المتكافئة لجميع أفراده لممارسة الحياة على نحو إيجابي فعال في العمل المناسب المنتج والحرية الواجبة والثقافة البناءة. فضلاً عن توفير الشعور بالولاء والانتماء والعدل في توزيع المكاسب والتضحيات.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.