الأمراض الرئوية عند الأطفال III (الداء الليفي الكيسي)
الداء الليفي الكيسي CYSTIC FIBROSIS:
الأمراض PATHOGENESIS:
الداء الليفي الكيسي CF مرض وراثي يصيب عدة أجهزة، يتميز باضطراب وظيفة الغدة خارجية الإفراز. ترمز مورثة CFTR (منظم العبور في الداء الليفي الكيسي) بروتين في غشاء الخلية يعمل كقناة كلور مفعلة بالـ cAMPعلى الخلايا الظهارية في السبيل التنفسي والبنكرياس والغدد العرقية واللعابية والأمعاء والجهاز التناسلي. وهذه القناة لا تكون وظيفية عند المرضى المصابين بالداء الليفي الكيسي CF لذلك يبقى الكلور متراكماً Sequestered داخل الخلية. ويتم سحب الصوديوم والماء إلى الخلية للمحافظة على التوازن الأيوني والأوزمولي Osmotic مما يؤدي إلى تجفاف نسبي على مستوى سطح الخلية ومفرزات لزجة شاذة.
تشمل الشذوذات الأخرى التي تنجم عن عدم فعالية قناة الكلور شذوذات في صفات سطح الخلية في الرئة، مما يسهل ارتباط العصيات الزرق وينقص إنتاج أكسيد الآزوت Nitrous oxide الذي يتواسط (ينقص) الالتهاب ويعزز قتل الجراثيم.
الوبائيات EPIDEMIOLOGY:
ينتقل الداء الليفي الكيسي كصفة جسدية متنحية، ويبلغ تواتر المرض 1 من كل 3500 ولادة حية عند البيض و 1 من كل 17000 ولادة عند السود. وتحدث المورثة بتواتر أخفض عند باقي السكان.
لقد تم تمييز أكثر من 1000 طفرة متميزة (تتوضع في مكان المورثة على الصبغي 7)، ويكون لدى أكثر من 70 % من المرضى طفرة في الموقع 508 من مورثة AF508) CFTR). أما متوسط الحياة المتوقع حالياً فهو 33.4 سنة (في الولايات المتحدة)، وقد ازداد بشكل دراماتيكي في العقد الماضي.
التظاهرات السريرية CLINICAL MANIFESTATIONS:
القصة المرضية والفحص السريري:
قد تصاب كل مستويات الطريق الهوائي بما فيها الممرات الأنفية والجيوب والطرق الهوائية السفلية. إن السليلات الأنفية عند أي مريض طفل يجب أن تحث على إجراء المزيد من الاختبارات للداء الليفي الكيسي CF. ومن الشائع جداً حدوث تعتم Opacification الجيوب والتهاب الجيوب، يؤهب ركود المخاط وعدم فعالية التنظيف لحدوث ذوات الرئة الجرثومية المتكررة. تشمل العضيات الممرضة الشائعة في الطفولة الباكرة بشكل نموذجي العنقوديات المذهبة والمستدميات النزلية، ويتبع ذلك بشكل عام الاستعمار بالعصيات الزرق الزنجارية Pseudomonas aeruginosa في الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة. يكتسب أكثر من 90% من المرضى فعلياً العصيات الزرق الزنجارية ولا يتم التخلص منها.
إن الاستعمار بجراثيم Burkholderia cepacia نذير شؤم بشكل خاص، ويترافق مع التدهور الرئوي المتسارع والموت.
تشمل التظاهرات المعدية المعوية القصور البنكرياسي، وانسداد الأمعاء، وهبوط المستقيم، والداء السكري والتشمع الكبدي. وإن التداخل مع الإفراز الأنزيمي البنكرياسي الطبيعي يؤدي إلى نقص امتصاص الشحوم. وقد يلاحظ الوالدان أن براز الطفل كبير الكمية وكريه الرائحة. يصبح البراز لاحقاً كثيفاً بشكل شديد (بدلاً من أن يكون سائلاً) مما يؤدي إلى احتمال حدوث انسداد الأمعاء الدقيقة البعيدة.
إن فشل النمو أشيع تظاهرة للداء الليفي الكيسي CF عند الرضع والأطفال. وعند الولدان يعتبر العلوص بالعقي علامة واسمة للداء الليفي الكيسي.
التظاهرات السريرية للداء الليفي الكيسي:
⁃ المرض الجيبي الرئوي المزمن: استعمار / خمج مستمر بالعوامل الممرضةالنموذجية لإصابة الرئة في الداء الليفي الكيسي وتشمل:
• العنقوديات المذهبة.
• الزوائف الزنجارية المخاطانية maucoid وغير المخاطانية
• المستدميات النزلية غير المثمطة.
• مرکب Burkholderici cepacid
• مركب Stenotrophomonas maltophilia
الإصابة القصبية الداخلية وتتجلى بما يلي:
• السعال وإنتاج القشع
• الوزيز واحتجاز الهواء
• الشذوذات الشعاعية
• دليل على الانسداد (باستخدام اختبارات وظائف الرئة).
• تبقرط الأصابع
• مرض الجيوب المزمن.
• السليلات الأنفية.
• التبدلات الشعاعية.
⁃ الشذوذات المعوية:
• العلوص بالعقی
• قصور البنكرياس خارجي الإفراز
• انسداد الأمعاء البعيدة.
• هبوط المستقيم
• التهاب البنكرياس المتكرر
• المرض الكبدي الصفراوي المزمن الذي يتجلى بدلائل سريرية و / أو مخبرية على:
⁃ التشمع الصفراوي البؤري
⁃ التشمع عديد الفصيصات
• فشل النمو (سوء التغذية البروتيني- الحروري).
• نقص بروتين الدم والوذمة
• أعواز الفيتامينات المنحلة بالدسم.
⁃ الشذوذات البولية التناسلية:
• انعدام النطاف Azoospermi الانسدادي عند الذكور
⁃ الشذوذات الاستقلابية:
• متلازمات ضياع الملح
• نفاد الملح الحاد
• القلاء الاستقلابي المزمن.
التقييم التشخيصي DIAGNOSTIC EVALUATION:
تشمل الموجودات التشخيصية الكلاسيكية في الداء الليفي الكيسي CF كلاً من ارتفاع تركيز كلور العرق وقصور البنكرياس والمرض الرئوي المزمن. يؤدي الخمج المتكرر في الطريق الهوائي السفلي إلى توسع القصبات والتليف وفقدان البارانشيم وتشكل الفقاعة Bleb المميز على صورة الصدر. تظهر اختبارات الوظيفة الرئوية غالباً تبدلات انسدادية Obstructive وبعض التبدلات الحاصرة Restrictive.
يبقى اختبار كلور العرق الاختبار المشخص المختار، وإن مستوى الكلور الذي يتجاوز 60 مك/ل يعتبر شاذاً. وقد يكون من الصعب أحياناً تفسير القيم الحدية للاختبار. تتوفر الآن الاختبارات المورثية وقبل الولادة لأشيع الطفرات المورثية وهي تشكل 85% من الحالات. إن النمط المورثي مع وجود أليلين شاذين في موقع CFTR يثبت تشخيص الداء الليفي الكيسي.
المعالجة TREATMENT:
تساعد المعالجة الفيزيائية للصدر والتمارين والسعال المتكرر مساعدة في تحريك المفرزات. وإن الموسعات القصبية والأدوية المضادة للالتهاب ترخي جدار العضلات الملس وتنقص ارتكاس الطريق الهوائي وتكبح تخرب النسيج. يقوم الدي أوكسي ريبونوکياز Deoxyribonuclease البشري المأشوب
(يعطى عن طريق الإرذاذ) بتكسير معقدات الحمض النووي DNA الكثيفة الموجودة في المخاط نتيجة لتخرب الخلايا والخمج الجرثومية.
أما الطرق البديلة فهي إعطاء التوبراميسين الإنشاقي بشكل منتظم الذي قد يستطب عند المرضى المصابين بخمج العصيات الزرق. والأحدث حالياً هو الأزيثروميسين الذي أثبت فعالية كمعدل modifier مناعي محتمل.
وتجرى الدراسات حالياً لتقييم استخدام الأدوية المضادة للالتهاب في الداء الليفي الكيسي للمساعدة على الحفاظ على وظيفة الرئة. ويمكن غالباً الوصول إلى نمو طبيعي عن طريق إعاضة الأنزيمات البنكرياسية والتزويد بالفيتامينات المنحلة بالدسم وإعطاء القوت الغني بالبروتين والكالوري. وقد تتم التغذية عن طريق الأنبوب الأنفي المعدي أو أنبوب فغر المعدة Gastrotomy إذا لم يكن المدخول الفموي كافياً.
إن الأطفال الذين يحافظون على أطوال وأوزان فوق الخط 25 المئوي لديهم إنذار أفضل على المدى البعيد.
قد تثار السورات المتكررة للمرض بالأخماج الفيروسية أو الجرثومية وتعالج بالمعالجة الفيزيائية المكثفة للصدر والتفجير بالوضعة والمضادات الحيوية التي يمكن أن تعطى فموياً إذا كانت سورة المرض خفيفة والعضيات الممرضة غير مقاومة. ولكن عادة ما يكون من الضروري علاج الأخماج الجرثومية بأمينوغليكوزيد (مثل التويرامايسين) وبنسلين نصف تركيبي أو سيفالوسبورين. ويعتمد ذلك على حساسية العضيات المسببة. وتجرى حالياً الأبحاث الهادفة إلى إعطاء المعالجة المورثية.
يستمر الإنذار بالتحسن بالمعالجة الهجومية للسورات الرئوية والدعم التغذوي المثالي. وتبقى الاختلاطات التنفسية المساهمات الرئيسة في المراضة والوفيات في الداء الليفي الكيسي.
إن النفث الدموي Hemoptysis علامة منذرة قد تحدث أثناء السورات الرئوية في المرض المديد، حيث يؤدي السعال المتكرر والالتهاب إلى التأكل في جدران الشرايين القصبية في مناطق التوسع القصبي، ويصبح القشع المنتج حاوية على خيوط دموية. ويعتبر ضياع الدم الذي يتجاوز 500 مل/ اليوم (أو أكثر من 300 مل /اليوم لمدة 3 أيام متتالية حالة إسعافية، وتعالج غالباً بالإصمام الشرياني
Arterial embolization).
إن الريح الصدرية اختلاط آخر محتمل مهدد للحياة قد يحدث في الداء الليفي الكيسي، وهي تتميز بالبداية المفاجئة لألم صدري شديد مع صعوبة التنفس. يؤدي وضع أنبوب صدري لإعادة تمدد الرئة بشكل سريع لكن تنكس أكثر من نصف حالات الريح الصدرية ثانية ما لم تجرى الجراحة أو التصليب Sclerosis. يتم تجنب التصليب كلياً إن أمكن؛ لأن الزرع يصبح أكثر صعوبة بعد القيام بهذا الإجراء.
قد يؤدي الانسداد المترقي ونقص الأكسجة في المرض المتقدم إلى فرط توتر رئوي مزمن مع قصور قلب أيمن (القلب الرئوي). إن زرع الرئة خيار محتمل عند مرضى الداء الليفي الكيسي الذين لديهم احتمال البقيا 1-2 سنة.
حقائق هامة Important Facts:
• الداء الليفي الكيسي اضطراب في وظيفة الغدد خارجية الإفرازيصيب الرئتين والجيوب والبنكرياس والغدد العرقية واللعابية والأمعاء والجهاز التناسلي.
• الوراثة جسدية متنحية.
• المرض أكثر انتشاراً عند البيض من باقي العروق.
• فشل النمو هو أشيع تظاهرات الداء الليفي الكيسي عند الأطفال.
• العلوص بالعقى عند الوليد علامة واسمة للداء الليفي الكيسي.
• يتم التشخيص بارتفاع مستوى الكلور العرق مع وجود مرض رئوي أو قصور بنكرياس أو بالنمط المورثي بوجود اليلين شاذين للـ CFTR.
• إن النفث الدموي والريح الصدرية العضوية أخطر الاختلاطات الحادة المهددة للحياة في الداء الليفي الكيسي.
المصدر:
مبادئ طب الأطفال، د.عمار محمد زوكار (طبيب مشرف في مشفى دمشق/قسم طب الأطفال)، دار القدس للعلوم، دمشق - سوريا، الطبعة العربية الأولى، 2008.