مفهوم المرض النفسي Neurosis:
ما هو المرض النفسي؟ وبم يختلف عن المرض العضوي؟ هل تكون بعض الأعراض المرضية العضوية ذات منشأ نفسي؟ وهل يسبب المرض العضوي اضطراباً نفسياً؟
لا شك أنه رافق تقدم الحياة وتطورها وزيادة مصاعبها، ارتفاعاً ملحوظاً في الإصابة بالأمراض النفسية التي تتراوح من القلق البسيط وصولاً إلى الأمراض العصابية الشديدة المنتهية بالانتحار!
ولا بد من أن يرافق هذا الصعود المتزايد في ظهور الأمراض النفسية، تقدماً في مجال الطب النفسي، والأدوية العلاجية النفسية. وكذلك انتشار المراكز والعيادات الطبية النفسية، وبرامج التوعية النفسية. بالإضافة إلى زيادة وعي الناس حول مخاطر تطور الأمراض النفسية، وفهمهم لأهمية الطب النفسي وأهمية دور الطبيب النفسي. فما هو المرض النفسي؟
عرف زهران المرض النفسي بأنه اضطراب وظيفي في الشخصية، نفسي المنشأ، يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة، يؤثر في سلوك الشخص فيعوق توافقه النفسي، ويعوقه عن ممارسة حياته السوية في المجتمع الذي يعيش فيه.
والمرض النفسي أنواع ودرجات، فقد يكون خفيفاً يضفي بعض الغرابة على سلوك المريض، وقد يكون شديداً ما يدفع المريض إلى الانتحار أحياناً.
وتتباين أعراض الأمراض النفسية تبايناً كبيراً، منها ما يتمثل في عادات قهرية، ومنها ما يصل إلى حد الانفصال عن الواقع والعيش في عالم الخيال.
ولهذا نرى أن الأمراض النفسية عبارة عن اضطرابات نفسية - وظيفية تظهر على شكل أعراض نفسية وجسمية عديدة فتؤثر في توافق الشخص نفسياً واجتماعياً، فتعيق إنتاجه وممارسة حياته بشكل طبيعي.
أما فيما يتعلق بعلاج المرض النفسي، فيتوقف ذلك على نوعه ومداه وحدته، فبعض الحالات تعالج بزيارات منظمة لأحد المعالجين أو المرشدين النفسيين. في حين أن البعض الآخر يحتاج إلى البقاء في المستشفى.
وموضوع الأمراض النفسية عند الأطفال يتطلب معرفة العوامل المؤثرة في حياة الطفل والتي منها تفرز مشاكله النفسية من خلال تأثيرها فيه وتأثره بها.
وحري بمن يتناول موضوع الأمراض النفسية للأطفال أن يلاحظ ويقيم سلوك الطفل وانفعالاته ومعاناته وآلامه على أساس فهم موضوعي لحالة الطفل المريض التي تقوم أساساً على ضوء نموه الطبيعي، ونوه الحركي، وتطوره اللغوي، ونضجه العقلي والانفعالي والاجتماعي.
والجدير ذكره أنه من الجهل دراسة حالة الطفل المرضية، بمعزل عن فهم الوضع الاجتماعي، وكذلك بمعزل عن الأفكار والقيم والمفاهيم التي يتبناها الطفل في المجتمع أو يتعلمها فيه.
والأمراض النفسية عند الطفل لها مسميات عديدة: فهناك الاضطرابات النفسية الوظيفية، وهناك الاضطرابات النفسية ذات المظهر العضوي.
وتتميز هذه الأمراض النفسية بحدوثها كانعكاس لرد فعل. فإذا كان الخوف عند الطفل هو المسيطر، فإن هذا يولد لديه شعور بالقلق والاضطراب ويجعله يحس بالخطر وهذا ما يقوده إلى البحث عن الأمان عن طريق أساليب دفاعية ليتخلص من المخاوف التي تنتابه. وفي هذه الحالة يمكن القول أن كل انفعالية يكون الغرض منها مواجهة حالة خطر، ومن كونها رد فعل لفعل وتساعد على السيطرة على حالة الخطر والخوف تعتبر حالة مقبولة. وهنا تخدم حالة الإنفعال الغرض الذي أتت من أجله وتزول حالة الانفعال بعد ذلك. ولكن ليس كل حالة تنتهي على هذا المستوى، فالذي يحصل أن بعض حالات الانفعال لا تهدأ ولا تحل المشاكل بهذه الكيفية، وإنما يحصل لها إحباط بعد مقاومة، وتتحول الحالة إلى حالة مزمنة، مما يولد نوعاً من الشعور بالضيق، وعدم الرضا، والقهر الداخلي والشعور بالظلم والمهانة والاكتئاب عند الطفل، وتحول الحالة من الشعور إلى اللاشعور.
وتشخيص الأمراض النفسية عند الأطفال يكون صعباً بعض الشيء، إلا في حالة عدم وجود أعراض لأمراض عضوية، فإن التشخيص يكون أسهل مما لو كانت الحالة يشويها أي مظهر عضوي. لذا فإن تقييم حالة الطفل الجسدية من الأهمية بمكان في وضع التشخيص المناسب للحالة، وكذلك فإنه لا بد من وضع تقييم متكامل لحالة الطفل النفسية والاجتماعية، وكذلك تقييم لشخصية الطفل ومستواه الانفعالي.
كما أن علاج الأمراض النفسية للأطفال (الاضطرابات النفسية الوظيفية والأمراض النفسية ذات المظهر العضوي) ليس من السهل ممارسته وتحقيق تقدم بيسر وسهولة. فالكثير من الحالات يكون مصدرها وأسبابها متعددة ومتنوعة بالإضافة إلى الوضع الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل.
المصدر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.