القائمة الرئيسية

الصفحات


 الوسواس القهري في الطفولة:

Obsessive Compulsive Neurosis

 

مفهوم عصاب الوسواس القهري ومظاهره: 

 

يتطلب عصاب الوسواس القهري نمواً عقلياً معيناً، ولهذا فإن هذا النوع من العصابات لا يحدث في الطفولة المبكرة، بعكس حالات القلق والخوف التي يمكن أن تظهر بشكل واضح خلال هذه المرحلة. 

 

فالأطفال في الأعمار بين سنتين وسبع سنوات يقومون بأداء الألعاب أو تكرار الأقوال أو إجراء الطقوس بطريقة جامدة، وفي عمر ۱۲ سنة يأخذ الاتجاه المطلق بالتحول التدريجي إلى النسبية وبالاعتماد على خبرات التعلم والذكاء يصبح الأطفال أكثر مرونة ويفهمون أن القواعد ليست شيئاً مطلقاً وإنما هي معايير متفق عليها. 

 

والوسواس القهري عند الطفل أكثر ظهوراً في عمر 8- 10 سنوات وما فوق، وأكثر تأثيراً في الفرد في مرحلة البلوغ والمراهقة.

 

وبحسب الدراسات، فأن أكثر من نصف حالات الوسواس القهري توجد عند من تقل أعمارهم عن عشرين عاماً، كما أن 20% من هذه الحالات توجد بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة عشر عاماً. 

 

كما أن كثيراً من حالات عصاب الوساوس القهرية تظهر فجأة، ويعمل في تعجيلها ظهور حادثة جديدة في حياة الفرد. ويظهر عند الذكور أكثر من الإناث. ويظهر عصاب الوسواس القهري على شكل سلوك حركي أو فكري مستمر أو دوري يضمن وجود أفكار أو اندفاعات أو مخاوف مع يقين الفرد بتفاهة هذه الوساوس، وعدم معقوليتها، وأنها لا تستحق الاهتمام، ومحاولة الفرد مقاومتها والتخلص منها. مما يترتب عليه الشعور بالعجز الاجتماعي والألم النفسي.

 

كما يعاني المصاب من صراع دائم يصاحب عملية تفكيره، وبقابليته للإيحاء فيما يتعلق بصحته نتيجة لما يعاني من إجهاد ناتج عن أفعاله وقلقه وهمومه المستمرة. 

 



أنواع الوسواس القهري:


لقد قسم العالم الألماني أشتيكل الوساوس القهرية إلى ثلاثة أنواع: 

 

النوع الأول: تسلط أفكار

النوع الثاني: تسلط أفعال 

النوع الثالث: تسلط أفكار وأفعال 

 

ولعل ما يميز الوسواس القهري عند العاديين عنه عند المرضى أنه لا يمتد عند العاديين لفترة طويلة، ولا يؤثر في سلامة التفكير بشكل كبير، ومن السهل أن يزول مع الزمن والانشغال بأفعال أخرى. 

 

أما الوسواس القهري المرضي فيتحكم تماماً في الوظائف الشعورية، ويلح على الفرد بصفة مستمرة، مجبراً إياه على التفكير والاعتقاد والفعل بطريقة معينة قد تستحوذ على الفرد دون أن يستطيع مقاومتها، مثل:

 

• الإكثار من غسل اليدين 

• تبديل الملابس 

• تفقد المكتبة أكثر من مرة قبل أن يغادر المنزل ودون مبرر لذلك.

 

والجدير بالذكر فإن الكثير من ألعاب الأطفال يكون لها طابع قهري، فطالب المدرسة الذي يعد درجات السلم في أثناء هبوطه أو تسلقه، وكذلك الذي يقذف الحجر بقدمه عند عودته من المدرسة إلى المنزل وكذلك عند ذهابه، أو يسير خطوة على الرصيف وخطوة على الأرض وهو يعلم تفاهة هذه الأعمال دون أن يستطيع التوقف عنها. 

 

والحقيقة فإن السلوك القهري أو الكالية البسيطة، إذا أحسن استخدامها، يمكن أن تكون عوناً أكيداً للطفل. 

 

فالطفل يمكن أن ينجح في إنجاز الكثير ويكافأ من قبل الآخرين، وينظر الكثير من الآباء والمعلمين إلى الكمالية والترتيب كفضائل، ولا يعملون على تعدیل مثل هذه السمات. ولهذا يكون على الراشدين أن يوجدوا لدى الطفل نوعاً من التوازن بين الحرص على التفوق والكمال، وبين البقاء كشخص مرن، سهل التعامل مما يسمح له بالتكيف مع الصعوبات التي يواجهها.

 

أسباب الوسواس القهري: 

 

يعتبر عصاب الوسواس القهري من أقل الاضطرابات النفسية شيوعاً، فنسبته مثلاً  6.2% من بين المترددين على عيادة الطب النفسي بمستشفى جامعة عين شمس بالقاهرة. وبالرغم من ذلك فإن له أسباباً، منها:

 

 

1.الأسباب الوراثية والفسيولوجية: 

 

يلعب العامل الوراثي دوراً هاماً في نشأة الوسواس القهري، حيث وجد أن آباء الأولاد المرضى بالوسواس يعانون من المرض نفسه وكذلك خمس الأخوة والأخوات، ويرى أنتوني، أن أكثر من نصف آباء الأطفال المصابين بعصاب الوسواس القهري هم أنفسم مصابون به، مما يشير إلى وجود عملية تقليد من الطفل لهذا النوع من السلوك العصابي، فالمصاب بوسواس قهري كثيراً ما يوجد في أسرة يتكرر فيها هذا العصاب. 

 

وتشير الدراسات إلى أن للعامل الفسيولوجي دوراً في وجود عصاب الوسواس القهري. فقد تبين أن هذا العصاب يصيب الأطفال الذين لم يكتمل عندهم نضج الجهاز العصبي بعد، كما ظهر لديهم أيضاً وجود اضطراب في رسم المخ الكهربائي. بالإضافة إلى ذلك فقد ذهب البعض إلى أن الوسواس القهري ناتج عن وجود بؤرة كهربائية نشطة في لحاء الدماغ، وهذه البؤرة تسبب حسب مكانها في اللحاء فكرة أو حركة أو اندفاعاً. 

 

2.الأسباب النفسية: 

 

للشدات والضغوط النفسية التي يواجهها الفرد دور في تحويل القلق والاكتئاب إلى وساوس تدور حول المشكلات الجسمية التي يعاني منها الفرد، وتصبح بمثابة واجهة نفسية للتكيف اللاشعوري. 

 

فالطفل في هذه الحالة يتجنب المصدر الحقيقي لعدم الارتياح بإنجاز سلوك آمن (من وجهة نظره). فالصراعات والصعوبات الحقيقية عند الطفل لا تواجه ولا تحل ويتم الانشغال عنها بالسلوك الوسواس القهري. فأي شعور قوي يمكن إخفاؤه وتحويله إلى سلوك وسواسي قهري. ولهذا يصبح السلوك النمطي لدى الطفل هو تجنب المشكلات وعدم حل الصراعات وعدم التعبير عن المشاعر بوضوح مما يجعل الطفل يتسم بالآلية، فهو يفي بالتزاماته إلا أن علاقاته بالآخرين يعوزها الدفء العاطفي والأخذ والعطاء بسهولة. 

 

بالإضافة إلى ذلك فإن الإحباط المستمر في المجتمع والتهديد المتواصل بالحرمان، وفقدان الشعور بالأمن تؤدي إلى ظهور الوسواس القهري عند الفرد، حيث يظهر عصاب الوسواس عند الفرد وكأنه يلتمس الأمن ويتجنب الخطر في النظام والتدقيق والنظافة وغير ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فأن الخوف، وعدم الثقة بالنفس، والكبت عوامل أساسية في ظهور الوسواس القهري عند الفرد.

 

فالخوف مثلاً يتم تخفيضه عن طريق الانشغال بسلوك يؤدي إلى تأجيل الحادث غير المرغوب، فعن طريق عد أو تنظيم الأشياء يؤخر الأطفال بعض المواقف الباعثة على التوتر سواء أكانت حقيقية أم متخيلة، فقد يخاف الطفل أن يلحق به الأذى خارج البيت، ولهذا فإنه يقضي وقتاً طويلاً وهو يكرر نشاطاً ما قبل مغادرته للبيت. فالسلوك الوسواس القهري هو سلوك يستمر ذاتياً؛ لأنه يؤدي إلى التخلص من التوتر بشكل مؤقت فقط، ولهذا فلا بد من إعادة السلوك ومحاولة الوصول إلى الكمال في كل مرة يعود القلق من جديد. ولكن الطفل يشك بصحة هذا السلوك الذي يقوم به فيصبح قلقاً،  ويجد بأن عليه تکرار السلوك من جديد وهكذا. فالأطفال غير الآمنين والمترددين يشعرون بحاجة قوية إلى التنظيم والترتيب کي يخفضوا من قلقهم وتوترهم. 

 

ويعتقد أصحاب المدرسة السلوكية أن الوسواس القهري يظهر مثيراً شرطياً للقلق نتيجة ارتباطه بمثير غير شرطي مثير لهذا القلق. فالسلوك القهري يتكون عندما يكتشف الفرد أن سلوك معيناً يخفف القلق المرتبط بالفكر الوسواسي، وتخفيف القلق يعزز هذا السلوك القهري ويثبته ويصبح نمطاً سلوكياً متعلماً. 

 

أما أصحاب مدرسة التحليل النفسي فيرجعون هذا العصاب إلى المرحلة الشرجية في تكوين شخصية الفرد و المرحلة الثانية من مراحل النمو النفسي الجنسي للفرد، وقسوة رقابة الأنا الأعلى للفرد مما يكون عنده وسواساً وشكاً في عدم قدرته على التحكم في تصرفاته ومراقبتها.

 

كما يرى فرويد أيضاً أن بعض حالات الوساوس والقهر ترجع إلى خبرة جنسية مثلية سلبية تكبت وتظهر فيها بعد معبر عنها بأفكار تسلطية وسلوك قهري يظهر السلوك الوسواس القهري بشكل رمزي، يسعى فيه المصاب لاشعورياً إلى عقاب ذاته، ويكون السلوك القهري بمثابة تكفير رمزي وراحة للضمير. مثلاً، عندما يلجأ الفرد إلى غسل يديه عدة مرات تعبير رمزي عن غسيل النفس وتطهيرها من الإثم المتصل بخطيئة أو خبرة مكبوتة. 

 

 

3.الأسباب الاجتماعية: 

 

يظهر عصاب الوسواس القهري على شكل تقليد للوالدين أو الكبار المرضى بالوسواس القهري. 

 

كما أن أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة، والتربية المتزمتة والصارمة والتي تقوم على الأمر والنهي والقمع للسلوك والعقاب المتكرر، والتدريب الخاطىء والمتشدد على النظافة والإخراج في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤدي إلى ظهور أعراض عصاب الوسواس القهري عند الطفل.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن توقعات الوالدين المتشددة من الأطفال يمكن أن تسهم في ظهور سلوك الوسواس القهري عندهم. فالآباء المتشددون هم أنفسهم جامدون وکالیون قليلو الاحتمال لجوانب الضعف وعدم الاتساق لدى الطفل، وقد يكونون معزولين اجتماعياً، ويحرصون على التأكيد الشديدعلى صواب التعامل وعلى النظافة.

 

فكثيراً ما يسمع الطفل من والده أو والدته عبارات مثل: 

 

(إنني أعرف أنك تستطيع ذلك، لذلك لا تعطي أية أعذار) 

 

فمثل هؤلاء الآباء ينقصهم التعاطف، وهم غير قادرين على رؤية الأمور من وجهة نظر الطفل، إنهم يقدمون نموذجاً للسلوك القهري ويعززونه، وعلاقاتهم بأطفالهم علاقة محايدة، أو باردة أو عدوانية، وهم يمثلون نموذجاً للكالية الزائدة. فبعض الأطفال يظهرون الطاعة مباشرة عن طريق القيام بالسلوك الكالي المتوقع استجابة للأبوين المتشددين، في حين أن بعض الأطفال يصبحون عدوانيين. والحقيقة ما إن يبدأ السلوك القهري بالظهور حتى يصبح في العادة متولداً ذاتياً.

 

 

المصدر: 

 

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.