مرض المكورات الرئوية:
هو المرض الناتج عن الإصابة بالعقديات الرئوية Streptococcus Pneumoniae. وهو مرض واسع الانتشار مع حدوث وفيات في كل أنحاء الولايات المتحدة سنوياً.
التأريخ:
لقد تم التعرف لأول مرة على الجرثومة التي تدعى أيضاً بالمكورات الرئوية pneumococcus من قبل باستور Pasteur في عام 1881 في لعاب مريض مصاب بالكلب. وفي عام 1883 وصف فريدلاندر Friedlander وتالامون Talamon العلاقة بين المكورات الرئوية وذات الرئة الفصية lobar pneumonia لأول مرة، لكن بقيت ذات الرئة بالمكورات الرئوية تلتبس مع بقية أنماط ذات الرئة حتى اكتشاف تلوين غرام Gram في عام 188. وبين عامي 1915- 1945 تم شرح البنية الكيماوية والمستضدية لعديدات السكاريد المحفظية للمكورات الرئوية وترافقها مع الفوعة كما تم شرح دور عديدات سكارید المكورات الرئوية في إحداث المرض عند الإنسان. وبحلول عام 1940 كان قد تم وصف أكثر من 80 نمطاً مصلياً من المكورات الرئوية.
بدأت الجهود لتطوير لقاحات فعالة للمكورات الرئوية باكراً منذ عام 1911، لكن مع اكتشاف البنسلين في عام 1940 تراجع الاهتمام باللقاح، واستمر ذلك حتى لوحظ أن العديد من المرضى يموتون رغم المعالجة بالمضادات الحيوية. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي بذلت الجهود ثانية لتطوير لقاح المكورات الرئوي عديد التكافؤ، وقد تم ترخيص استخدام لقاح المكورات الرئوية لأول مرة في الولايات المتحدة في عام 1977، وفي عام 2000 تم ترخيص العمل بأول لقاح مقترن.
العقديات الرئوية:
العقديات الرئوية هي جرائیم ذات شكل يشبه المبضع lancet، إيجابية الغرام، لاهوائية مخيرة. تشاهد نموذجياً على شكل أزواج (مكورات مزدوجة diplococci)، لكن قد تكون مفردة أو على شكل سلاسل قصيرة. تكون بعض العقديات الرئوية ذات محفظة encapsulated ولها سطوح مؤلفة من عديدات سكاريد معقدة. إن الجراثيم ذات المحفظة ممرضة للبشر والحيوانات التجربة، في حين تكون الجراثيم التي ليس لها عديدات سكاريد محفظية غير ممرضة. إن عديدات السكارید المحفظية هي الأساس الأولي في إمراضية pathogenicity الرئويات، وهي مستضدية، وتشكل الأساس الذي يعتمد عليه تصنيف المكورات الرئوية إلى أنماط مصلية.
لقد تم التعرف على 90 نمطاً مصلياً اعتماداً على تفاعلها مع المصل النوعي للنمط، وإن الأضداد النوعية لعديدات السكاريد المحفظية واقية. تتفاعل هذه الأضداد مع المتممة لتطهو opsonize المكورات الرئوية مما يسهل بلعمتها والتخلص منها. كذلك فإن أضداد بعض عديدات السكاريد المحفظية للمكورات الرئوية قد تتفاعل بشكل متصالب مع الأنماط المرتبطة بها إضافة التفاعلها مع الجراثيم الأخرى مما يعطي وقاية ضد أنماط مصلية إضافية.
لوحظ أن معظم الأنماط المصلية للعقديات الرئوية تؤدي لمرض خطير، لكن عدداً قليلاً من الأنماط المصلية هو الذي يسبب أغلبية أخماج المكورات الرئوية. ويقدر أن أشيع عشرة أنماط مصلية مسؤولة عن حوالي 62% من حالات المرض الغازي في العالم. إن انتشار وترتيب النمط المصلي يختلف حسب الفئة العمرية والمنطقة الجغرافية، وفي الولايات المتحدة تشكل أشيع سبعة أنماط مصلية معزولة عند الأطفال دون عمر 6 سنوات من الدم أو السائل الدماغي الشوكي CSF حوالي 80% من الأخماج، بينما لا تشكل هذه الأنماط السبعة إلا حوالي 50٪ من الأنماط المعزولة من الأطفال الأكبر والبالغين.
تتوضع المكورات الرئوية بشكل شائع في الطرق التنفسية، ويمكن عزلها من البلعوم|البلعوم الأنفي في %5 - ٪70 من البالغين السليمين. تختلف معدلات الحمل اللاعرضية حسب العمر والبيئة ووجود إنتانات تنفسية علوية. إن 5 - 10٪ فقط من البالغين ممن ليس لديهم أطفال هم من الحملة، في حين قد تصل هذه النسبة عند طلاب المدارس والمقيمين في دور الأيتام إلى 27% - 58%، أما في القطعات العسكرية فقد تزيد نسبة الحملة عن 50% - 60٪. تختلف مدة الحمل، وتكون عموماً عند الأطفال أطول من البالغين. تجدر الإشارة إلى أن فهم العلاقة بين الحمل وتطور المناعة الطبيعية مازال محدوداً.
الأعراض السريرية:
تتضمن المظاهر السريرية الرئيسة لمرض المكورات الرئوية ذات الرئة وتجرثم الدم والتهاب السحايا. إن الآلية المناعية التي تسمح بحدوث المرض عند الحملة غير مفهومة جيداً. ومع ذلك غالباً ما يحدث المرض عندما توجد حالة مؤهبة خاصة المرض الرئوي.
إن ذات الرئة بالمكورات الرئوية هي التظاهرة السريرية الأكثر شيوعاً لمرض المكورات الرئوية عند البالغين. يكون دور حضانة ذات الرئة بالمكورات الرئوية قصيراً (حوالي 1 - 3 أيام). وتشمل الأعراض بشكل عام البداية المفاجئة للحمى والنوافض أو القشعريرة rigors. تحدث النوافض في الحالات النموذجية مرة واحدة، أما القشعريرة المتكررة فغير شائعة. وتتضمن الأعراض الشائعة الأخرى الألم الصدري الناجم عن التهاب الجنب والسعال المنتج للقيح والمخاط والقشع الصدىء والزلة التنفسية (ضيق النفس) وتسرع التنفس ونقص الأكسجة وتسرع القلب والدعث والضعف. أما الغثيان والإقياء والصداع فتحدث بشكل أقل تواتراً.
يحدث سنوياً في الولايات المتحدة حوالي 175.000 حالة استشفاء بسبب ذات الرئة بالمكورات الرئوية. وتسبب المكورات الرئوية أكثر من 36٪ من ذوات الرئة المكتسبة في المجتمع عند البالغين وحوالي 50٪ من ذوات الرئة المكتسبة في المشافي. وتشكل ذات الرئة بالمكورات الرئوية اختلاطاً جرثومياً شائعاً للنزلة الوافدة والحصبة. ويبلغ معدل إماتة الحالات ٪5 - 77، وقد يكون أعلى بكثير عند المسنين.
تتضمن اختلاطات ذات الرئة بالمكورات الرئوية الدبيلة empyema (خمج الحيز الجنبي) والتهاب التامور والانسداد داخل القصبات endobronchialobstruction مع انخماص الرئة وتشكل خراج رئوي.
يحدث سنوياً أكثر من 50.000 حالة تجرثم دم بالمكورات الرئوية، حيث يحدث تجرثم الدم عند حوالي 25% – 30% من المرضى المصابين بذات الرئة بالمكورات الرئوية. ويبلغ معدل الوفيات في تجرثم الدم حوالي 20% ، وقد يصل إلى 60% عند المرضى المسنين. وتجدر الإشارة إلى أن المرضى الذين لديهم غياب الطحال قد يتعرضون لسير سريري خاطف fulminantإذا ما تطور عندهم تجرثم الدم.
تسبب المكورات الرئوية 13% - 19٪ من كل حالات التهاب السحايا الجرثومي في الولايات المتحدة. ويحدث سنوياً ما يقدر ب 3.000 - 6.000 حالة التهاب سحايا بالمكورات الرئوية. ويكون لدى ربع المرضى المصابين بالتهاب السحايا بالمكورات الرئوية ذات رئة أيضاً.
إن الأعراض السريرية وموجودات السائل الشوكي والاختلاطات العصبية مشابهة للأشكال الأخرى من التهاب السحايا القيحي. يمكن أن تتضمن الأعراض النوام leathergy والإقياء والهيوجية irritability والحمى وصلابة النقرة وعلامات إصابة الأعصاب القحفية والاختلاجات والسبات. يبلغ معدل الوفيات في التهاب السحايا بالمكورات الرئوية حوالي 30%، وقد يصل إلى 80٪ عند المسنين، وتكون العقابيل العصبية شائعة عند الناجين.
مرض المكورات الرئوية عند الأطفال:
يشكل تجرثم الدم دون وجود موضع معروف للخمج (دون وجود بؤرة صريحة) أشيع التظاهرات السريرية الغازية عند الأطفال دون عمر السنتين، حيث يشكل ما يقارب 70% من المرض الغازي عند هذه المجموعة العمرية، ويشكل تجرثم الدم في سياق ذات الرئة نسبة 12% - %16 من مرض المكورات الرئوية الغازي في هذه المجموعة العمرية. ومع تراجع المرض الغازي بالمستدميات النزلية Hib أصبحت العقديات الرئوية السبب الرئيس لالتهاب السحايا الجرثومي عند الأطفال دون عمر 5 سنوات في الولايات المتحدة. قبل الاستخدام الروتيني للقاح الرئويات المقترن كان لدى الأطفال دون عمر السنة أعلى معدلات التهاب السحايا بالمكورات الرئوية، حيث يصل إلى ما يقارب 10 حالات لكل 100.000 نسمة.
إن المكورات الرئوية سبب شائع لالتهاب الأذن الوسطى الحاد، حيث تكتشف في 28% - 55٪ من رشافات الأذن الوسطى. يكون 62 ٪ من الأطفال بعمر 12 شهراً قد تعرضوا لنوبة واحدة على الأقل من التهاب الأذن الوسطى. وتشكل إنتانات الأذن الوسطى أكثر الأسباب التي تدعو لزيارة عيادات الأطفال في الولايات المتحدة، حيث يقدر عدد هذه الزيارات بعشرين مليون زيارة في السنة. قد تتضمن اختلاطات التهاب الأذن الوسطى بالمكورات الرئوية التهاب الخشاء mastoiditis والتهاب السحايا.
كان العبء الذي يشكله مرض المكورات الرئوية عند الأطفال دون عمر 5 سنوات كبيراً وهاماً قبل الاستخدام الروتيني للقاح الرئويات المقترن، حيث كان يحدث سنوياً ما يقدر ب 17.000 حالة من المرض الغازي، من بينها 13.000 حالة تجرثم دم دون وجود مكان معروف للخمج، إضافة إلى حوالي 700 حالة التهاب سحايا. ويقدر أن 200 طفل يموتون سنوياً بسبب مرض المكورات الرئوية الغازي. أما التهاب الأذن الوسطى ورغم عدم اعتباره مرضاً غازياً فيقدر حدوثه بحوالي 5 ملايين حالة سنوياً عند الأطفال دون عمر 5 سنوات.
التشخيص المخبري:
يعتمد التشخيص النهائي للخمج بالعقديات الرئوية بصورة عامة على عزل الجرثومة من الدم أو الأماكن الأخرى في الجسم التي تعتبر عقيمة في الحالة الطبيعية. كذلك تتوفر فحوص لكشف المستضدات عديدات السكاريد المحفظية في سوائل الجسم.
يقترح ظهور مكورات مزدوجة لها شكل المبضع بتلوين غرام خمجاً بالمكورات الرئوية، لكن قد يكون من الصعب تفسير نتائج عينات القشع الملونة بسبب وجود جراثیم طبيعية في البلعوم الأنفي. تتضمن المعايير التي تقترح تشخيص ذات الرئة بالمكورات الرئوية باستخدام تلوين غرام على القشع وجود أكثر من 25 خلية دم بيضاء وأقل من 10 خلايا بطانية في ساحة ذات تكبير 100 مع سيطرة مكورات مزدوجة إيجابية الغرام.
يساعد تفاعل الانتباج quellung reaction (تورم المحفظة، تفاعل ترسيب المحفظة) على التعرف السريع على المكورات الرئوية في العينات السريرية التي تشمل السائل الشوكي والقشع والنضعات exudates. وتعتمد هذه الطريقة على مزج قطرة من معلق الجراثيم مع المصل الضدي للرئويات وزرقة الميثيلين على سطح شريحة زجاجية ثم فحصها بالعدسة الغاطسة، فإذا ما كان التفاعل إيجابياً، فإن الجراثيم ستكون محاطة بمحفظة كبيرة.
هناك عدة اختبارات سريعة لتحري مستضد الرئويات عديد السكاريد في السائل الدماغي الشوكي وسوائل الجسم الأخرى المتوفرة. وهذه الاختبارات تفتقد بصورة عامة للحساسية أو النوعية الكافية للمساعدة على تشخيص داء المكورات الرئوية الغازي.
المصدر:
المرجع الشامل في اللقاحات، د. عماد محمد زوكار، د. محمد أحمد نوح، دار القدس للعلوم، الطبعة الأولى 2005.