مص الأصابع Thumb sucking: هل هي ظاهرة طبيعية؟ أم حالة نفسية مرضية؟
تعتبر عادة مص الأصابع شائعة عند الأطفال وخاصة في السنة الأولى والثانية، حتى يمكن القول إنها عرف عندهم بدلاً من تسميتها عادة.
ولهذا يمكن اعتبار مص الأصابع سلوكاً عادياً في الطفولة المبكرة، ومن أكثر العادات انتشاراً بين الأطفال.وهي تتبع سلسلة من التنظيمات الحركية العضلية النافعة للطفل والمؤدية إلى الإشباع وحدوث اللذة.
فالمص والعض وسيلتان لإثارة إحساسات عضوية لذيذة يتمسك بها الطفل. بيد أن الأطفال يتفاوتون فيما بينهم تفاوتاً كبيراً فيما يتعلق بالتمسك بتلك العادات والقدرة على التخلص منها. فقد تكون عند البعض عابرة وتقل مع التقدم في العمر، في حين أنها تستمر عند البعض الآخر.
احصاءات:
وقد دلت الدراسات أن 40% ممن هم في عمر سنة واحدة، و 20% ممن هم في عمر خمس سنوات و5% ممن هم في عمر 10 سنوات يمتصون أصابعهم بشكل واضح في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما لوحظ في إحدى الدراسات التي أجريت على 209 طفلاً، أن نصف عدد الأطفال المشاركين في هذه الدراسة والذين كانوا يمصون أصابعهم كانوا في عامهم الأول.
كما وجد أن 90% من بين 700 طفلاً متفوقاً في نموه، كانوا أيضاً يمصون أصابعهم خلال العام الأول من عمرهم، وعندما أكملوا عاماً من عمرهم وجد أن أربعة فقط استمروا في المص.
وهكذا فإن معظم الأطفال يتخلصون من هذه العادة مع الزمن بشكل طبيعي، إلا أن عدداً قليلاً منهم يستمر حتى سن المراهقة أو الرشد.
وأظهرت بحوث أخرى أن الأطفال الذين يمصون أصابعهم بشكل متكرر في السنوات الأولى من العمر، سيقلع منهم حوالي 50% عن هذه العادات في عمر خمس سنوات، و 75 ٪ منهم سيتركها في عمر 8 سنوات، و 90% منهم سيتخلص منها في عمر عشر سنوات.
هذا وينتشر مص الأصابع المزمن بين الإناث أكثر منه عند الذكور . فقد تتبعت دراسة 66 طفلاً، 28 ولداً، و38 بنتاً لعدة سنوات. وكانت النتائج أن ثلثي الأطفال كانوا يمتصون إبهامهم (64%) من من وقت إلى آخر خلال فترة البحث، كما وجدت أن عدد البنات اللاتي يمصصن أصابعهن أكثر بعض الشيء من عدد الأولاد وأن نصف عدد الذين يمتصون أصابعهم ما زالوا يمتصونها حتى سن الرابعة.
لذا فظاهرة مص الأصابع تعبر عن صورة من صور النمو التي قد تزود الطفل بالارتياح والاطمئنان، وهي لا تدل على أنها تمثل أعراضاً عصابية في كل الحالات، وإن كانت مؤشراً قد تكون له دلالة على سوء التوافق ودلالة على خيبة الآباء في عملية التربية. وإذا استمرت إلى سن ما بعد السادسة من العمر فأنها
تدل على وجود الاضطراب النفسي لدى الطفل مما يتحتم البحث عن الأسباب وسبل العلاج.
الأسباب:
يعتبر المص بحد ذاته دافعة قوية عند الصغار، حتى أن بعض الدراسات أظهرت أن بعض الأجنة تمص أصابعها وهي في بطون أمهاتها.
وبعض الرضع الذين لا يمصون أصابعهم من أجل الغذاء بل لأنهم يجدون في ذلك متعة وشعور بالسعادة والراحة والاسترخاء واللعب والحركة، ولذلك يقبلون على تكرارها باستمرار.
وأيضاً هناك من الأطفال من تظل لديه الرغبة في مص أصابعه حتى بعد الفطام، ويلجأ إليها كلما وقع في أزمة نفسية أو موقف إحباطي، أو عندما يوجد مع أشخاص غرباء، أو عندما يترك وحيداً، ومن المعروف فإنه إذا ما أعاق استجابة الطفل الموجهة نحو هدف معين أي عائق، يسعى الطفل إلى البحث عن فرص أخرى لأداء الاستجابة المشبعة البديلة، أو قد يلجأ إلى مص الأصابع فهذه العادة تدل على عدم الاستقرار الانفعالي ودليل على الاضطراب النفسي.
وينظر أصحاب نظرية التحليل النفسي إلى عملية المص على أنها مصدر كبير الرضا للطفل أكثر من كونها مجرد إشباع للمطالب الغذائية، وقد أعطيت أهمية كبيرة للذة الفموية في مجال النمو النفسي واعتبر على أنه نكوص إلى المرحلة الفموية خاصة عندما يتخلى عنها الطفل ويعود إليها ثانية عند شعوره بعدم الأمن، أو توقع العقاب الشديد.
ويذكر بعض المحللين النفسيين أن الحاجة إلى الامتصاص غريزة تتطلب الإشباع، فإذا لم يحدث الإشباع الكافي من خلال الامتصاص للطعام فإنه يستكمل عن طريق مص الأصابع، أو مص الزجاجة الفارغة أو أي شيء يمكن أن يجده حوله. وقد أجرى « David levy ملاحظة على مجموعة من عجول البقر الرضيعة والتي يرضع بعضها من ثدي الأم في حين أن البعض الآخر يشرب اللبن من إناء، وقد استنتج أن العجول الرضيعة التي تناولت اللبن من الإناء أظهرت عملية امتصاص أكبر من العجول التي رضعت من الثدي، وظهر سلوكها على شكل آذان العجول الأخرى.
کما أجرى Levy تجربة أخرى على الجراء (کلاب رضيعة) حيث غذّى ثلاثة منها من زجاجات يتدفق منها اللبن ببطء، وغذّى ثلاثة جراء أخرى من زجاجات يتدفق اللبن منها بسرعة. وقد لاحظ أن الجراء الأخيرة قامت بالامتصاص أكثر من الأولى رغم امتصاص كل الحليب من الزجاجات من قبل مجموعة الجراء.
كما لاحظت Kunst ظاهرة امتصاص الإبهام والأصابع على 193 رضيعاً في أحد ملاجئ الأيتام، فوجدت أن هذا الامتصاص يزداد كلما طالت الفترة التي تلي تغذية الطفل سواء أكان نائماً ام مستيقظاً.
وهناك تجربة قام بها سبرز ووایز sears and wise لإثبات صحة نظرية التحليل النفسي، إذ درسا 80 طفلاً عادياً تتراوح أعمارهم بين 2-3 سنوات و 7-10 سنوات وذلك من أجل معرفة:
- كيف كانت طريقة تغذيتهم؟
- مدة حصولهم على الغذاء عن طريق الامتصاص.
- الطريقة التي تمت بها عملية الفطام ومدى قسوتها.
- ما هي الفروق الهامة الموجودة؟
فبعض هؤلاء تمت تغذيتهم منذ الميلاد عن طريق الكوب، في حين أن البعض الآخر بدأت تغذيتهم بالكوب بعد أسبوعين من الميلاد.
وقد صنفت المجموعة من حيث الفطام إلى: فطام مبكر ، فطام متوسط، وفطام متأخر .
وطبقاً للنظرية الغزيزية في التحليل النفسي، فإن من المتوقع أن نجد أن المجموعة التي تم فطامها مبكراً سيكون الفطام أكثر إحباطاً لها وستكون أكثر مصاً لأصابعها.
لكن الدراسة أثبتت العكس فقد كان الأطفال المتأخرون في فطامهم هم الأكثر شعوراً بالإحباط والأكثر رغبة في مص الأصابع من المجموعات الأخرى. بمعنى أن الفروق كانت في الاتجاه المضاد لما تقول به نظرية الغرائز.
أما نظرية التعلم فقد كان لها وجهة نظر أخرى فيما يتعلق بعملية المص. فهي ترى أن الأطفال الذين يتناولون غذاءهم عن طريق كوب الحليب سيكونون أقل ميلاً إلى عملية المص حتى المصحوب بتدفق الغذاء، أما الرضع الذين يتناولون غذاءهم عن طريق الثدي أو الزجاجة سيكونون أكثر ميلاً إلى عملية الامتصاص، كما أن الأطفال الذين يتناولون غذاءهم من طريق الثدي يكونون أكثر ميلاً من الجميع إلى عملية المص.
ولهذا فقد أجرى Davis تجربة قسّم فيها عينة من 10 أطفال إلى ثلاث مجموعات متساوية، الأولى تتغذى من أكواب الحليب، والثانية تتغذى من زجاجات الحليب، أما الثالثة فتتلقى غذاءها عن ثدي الأم وذلك خلال الأيام العشرة الأولى من الحياة.
وقد دلت النتائج على أن الأطفال الذين تغذوا من ثدي الأم أكثر ميلاً إلى مص الأصابع من المجموعتين الأخريين، في حين أن المجموعتين الأخريين لم تختلفا اختلافاً بيناً في ذلك.
وتشير بعض الدراسات إلى أن عادة مص ا الأصابع عند الأطفال العصابين ليست سوی عرض من الأعراض العامة، حيث أن الطفل ينام قليلاً أو يتأفف في أكله، ويكثر بكاؤه وتصيبه نوبات كثيرة من الغضب، كما تبدو عليه دلالات أخرى من عدم استقرار الجهاز العصبي.
ولهذا يمكن اعتبار القلق أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء عادة مص الأطفال للأصابع، فالطفل في أثناء وجوده في جو مشحون بالانفعالات والقلق، ووجود أفراد عصابيين من حوله يجعله يكتسب هذه العادة من حوله لتصبح سلوكاً ظاهراً لديه.
والجدير بالذكر فإن ضعف قدرة التلميذ على التحصيل كبقية زملائه يؤدي إلى شعوره بالتأخر الدراسي، الناجم عنه شعور بالنقص، ويجعل أحياناً اتجاهات المدرس سلبية نحوه (نبذ، إهمال، اتهامه بالغباء .. الخ)، ويؤدي إلى ظهور عادة مص الأصابع لدى الطفل.
كما أن أساليب معاملة الوالدين في المنزل والتي تكون أحياناً غير مناسبة للطفل كالنقد المستمر له ولتصرفاته، مع القسوة المفرطة في أثناء التعامل معه، أو التدليل الزائد، أو التضارب في أساليب المعاملة بين الأم والأب. كل ذلك يؤدي إلى ظهور هذه العادة غير اللائقة إجتماعياً.
بالإضافة إلى ذلك فإن التغذية غير الكافية أو التي تتم على فترات متباعدة أو حرمان الطفل من الطعام، كل ذلك يؤدي إلى لجوء الطفل إلى عملية مص الأصابع بالرغم من أنها لا تؤدي إلى إشباع حاجة الجوع لديه.
كما أن إصابة الطفل ببعض الأمراض الجسمية مثل ضيق التنفس، والتهاب اللوزتين، والإصابة بالزوائد الأنفية، وسوء الهضم، واضطرابات الغدد، من شأنها أن تؤدي إلى ظهور هذه العادة.
كما أن عدم الاستقرار النفسي الناجم عن شعور الطفل بالعجز الجسمي أو العقلي (وما يصاحبه من ضعف في التركيز)، بالإضافة إلى حالات التخلف العقلي التي تؤدي إلى عدم استقرار الحركات العصبية لدى الطفل، كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى عادة مص الأصابع.
إن هذه الأساليب التي يلجأ إليها الطفل في مواجهة مشكلاته ليست إلا أساليب سلبية تؤدي بالطفل إلى الإنسحاب والعزلة والخجل في أثناء مواجهة المشكلات.
المصادر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013